"بالرحى" تبيين ولم يوضحه، فإن تقدير ما كان من هذا الضرب أنه إذا قال:"أبعلي هذا بالرحى المتقاعس"، فإن المتقاعس يدل على أن تقاعساً وقع، فكأنه قال: وقع التقاعس بالرحى، ولم يرد أن يعمل "المتقاعس "في قوله: "بالرحى"، لأنه في صلة، والصلة من الموصول بمنزلة الدال من زيد أو الياء، فكما لا يجوز أن يتقدم حروف الاسم بعضها على بعض، لم يجز أن تتقدم الصلة على الموصول، فأما قول الله عز وجل:{وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} ، وكذلك:{وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} ، فإنه يكون على التبيين الذي قدمنا ذكره وهو قول البصريين أجمعين، إلا أن أبا عمر الجرمي أجاز أن يجعل"لكما"،و "على ذلكم" معلقين بشيئين محذوفين دل عليهما" من الناصحين"، و" من الشاهدين"، لأن" من" مبعضة، فكأنه قال والله أعلم: وقاسمهما إني ناصح لكما من الناصحين، وأنا شاهد على ذلكم من الشاهدين.
وأما اختياره وذكره أنه قول المازني، وجعله الألف واللام للعهد مثلهما في الرجل وما أشبهه، فإن هذا القول غير مرضي عندي، لأنك إذا قلت: نعم القائم زيدٌ فجعلت الألف واللام كالألف واللام الداخلتين على ما يؤخذ من الفعل كالإنسان والفرس وما أشبهه، فإنه إذا كان هكذا دخل في باب الأسماء الجامدة وهي التي لم تؤخذ من أمثلة الفعل، وامتنع من أن يعمل مؤخراً إلا على حيلة ووجهٍ بعيدٍ من التبيين الذي ذكرناه. وإذا كان التأخير لا يعمل بنفسه، فكيف يعمل إذا تقدم عليه الظرف وهذا مستحيل لا وجه له.
وأما إنشاده:
لا أذوق النوم إلا غراراً
فإن هذه أبيات أربعة أنشدناها عن الزيادي، وذكر أنه كان يستحسنها وهي لأعرابي قال:
ما لعيني كحلت بالسهاد ... ولجنبي نابياً عن وسادي
ما أذوق النوم إلا غراراً ... مثل حسو الطير ماء الثماد١
أبتغي إصلاح سعدى بجهدي ... وهي تسعى جهدها في فسادي