للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليّ أعرابيٌّ ياقعةٌ١ لم أر مثله. فكتب إليه الحجاج أن يحمله معه، فما دخل عليه قال له: بلغني انك ذو بديهة، فقل في هذه الجارية -لجارية قائمةٍ على رأسه- فقال جريرٌ: مالي أن أقول فيها حتّى أتأملها، ومالي أن أتامل جارية الأمير! فقال: بلى، فتأمّلها واسألها. فقال لها: ما اسمك يا جارية? فأمسكت، فقال لها الحجاج: خبّرية يا لخناء، فقالت: أمامة، فقال جريرٌ:

ودّع أمامة حان منك رحيل ... إنّ الوداع لمن تحبّ قليل

مثل الكثيب تمايلت أعطافه ... فالرّيح تجبر متنه وتهيل

هذي القلوب صوادياً تيّمتها ... وأرى الشّفاء وما إليه سبيل

فقال له الحجاج: قد جعل الله لك السبيل إليها، خذها هي لك. فضرب بيده إلى يدها، فتمّنعت عليه، فقال:

إن كان طلبّكم الدّلال فإنه ... حسنٌ دلالك يا أمام جميل

[ش: ينصب "الطّبّ" ورفع "الدّلال"، وبالعكس، برفع "الطب" ونصب الدلال. والطّبّ هنا: المذهب، والّدلال: الدّالّة] .

فاستضحك الحجاج، وأمر بتجهيزها معه إلى اليمامة.

وخبرت أنها كانت من أهل الرّيّ، وكان إخوتها أحراراً، فاتّبعوه، فأعطوه بها حتى بلغوا عشرين ألفاً، فلم يفعل، ففي ذلك يقول:

إذا عرضوا عشرين ألفاً تعرضت ... لامً حكيم حاجةٌ هي ماهيا

ردت أهل الرّي عندي مودّة ... وحبّبت أضعافاً إليّ المواليا

فأولدها حكيماً وبلالاً وحزرة، بني جرير، هؤلاء من أذكر من ولدها.

ويقال: إنّ الحمّانيّ٢ قاول بلالاُ ذات يوم فيما كان بينهما من الشرّ، فقال: يا ابن أم حكيم، فقال له بلالٌ: ما تذكر من ابنة دهقان، وأخيذة رماح، وعطيّة ملكٍ? ليست كأمّك التي بالمرّوت٣، تغدو على أثر ضأنها، كأنما عقباها حافرا


١ زيادات ر: "يريد داهية، والباقعة: طائر حدر".
٢ قال المرصفى: "الحمانى اسمه أبو نخيلة، نسب إلى جده حمان".
٣ المروت: اسم واد بعينه.

<<  <  ج: ص:  >  >>