للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على جوادين يريغان١ السليك، فبصرا به فقصداه، وخرج يمحص٢ كأنه ظبي، فطارداه سحابة يومهما، فقالا: هذا النهار، ولو جن عليه الليل لقد فتر، فجدا في طلبه، فذا بأثره قد بال فرغا في الأرض وخدها، فقالا: قاتله الله! ما أشد متنيه! ولعل هذا كان من أول الليل فلما امتد به الليل فتر، فاتبعاه، فإذا به قد عثر باصل شجرةٍ فندر٣ منها كمكان تلك، وانكسرت قوسه؛ فارتزت قصدة منها في الأرض فنشبت، فقالا: قاتله الله! واللهِ لا نتبعه بعد هذا، فرجعا عنه، وأتم إلى قومه.

ش: يروى أتم بألفٍ، وتم بغير الألف ونم بالنون، ومعنى تم إلى قومه أي نفذ.

فأنذرهم، فلم يصدقوه لبعد الغاية، ففي ذلك يقول:

يكذبني العمران عمرو بن جندب ... وعمرو بن كعب والمكذب أكذب

ثكلتكما إن لم أكن قدر أيتها ... كراديس يهديها إلى الحي موكبُ٤

كراديس فيها الحوفزان وحوله ... فوارس همام متى يدع يركبوا

فصدقه قوم فنجوا، وكذبه قوم فورد عليهم الجيش فاكتسحهم.

وحدثني التوزي قال: سألت أبا عبيدة عن مثل هذه الأخبار من أخبار العرب? فقال لي: إن العجم تكذب فتقول: كان رجلٌ ثلثه من نحاسٍ، وثلثه من رصاصٍ، وثلثه من ثلج، فتعارضها العرب بهذا وما أشبه.

من ذلك قول مهلهل بن ربيعة:

فلو نشر المقابر عن كليبٍ ... فتخبر بالذنائب أي زيرِ!

بيوم الشعثمين لقر عينا ... وكيف لقاء من تحت القبورِ


١ يريغان: يطليان.
٢ يمحص: يعدو عدوا شديدا.
٣ ندر: سقط.
٤ الكراديس: جمع كردوس، وهو القطعة العظيمة من الخيل.

<<  <  ج: ص:  >  >>