للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو العباس: والشيء يذكر بالشيء وإن كان دونه فنجري لاحتواء الباب والمعنى عليهما.

وفي شعر حميد هذا ما هو أحكم مما ذكرنا وأوعظ، وأحرى أن يمثل به الأشراف، وتسود به الصحف، وهو قوله:

أرى بصري قد رابني بعد صحة ... وحسبك داء أن تصح وتسلما

ولا يلبث العصران يوم وليلة ... إذا طلبا أن يدركا ما تيمما

ويروى عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: "كفى بالسلامة داء".

ثم نرجع إلى التشبيه.

قال أبو العباس: والعرب تشبه على أربعة أضرب: فتشبيه مفرط، وتشبيه مصيب، وتشبيه مقارب، وتشبيه بعيد يحتاج إلى التفسير ولا يقوم بنفسه: وهو أخشن الكلام.

فمن التشبيه المفرط المتجاوز، قولهم للسخي: هو كالبحر. وللشجاع: هو كالأسد. وللشريف: سما حتى بلغ النجم. ثم زادوا فوق ذلك. من ذاك قول بعضهم وهو بكر بن النطاح، يقوله لأبي دلف القاسم بن عيسى:

له همم لا منتهى لكبارها ... وهمته الصغرى أجل من الدهر

له راحة لو أن معشار جودها ... على البر صار البر أندى من البحر

ولو أن خلق الله في مسك فارس١ ... وبارزه كان الخلي من العمر

وقد قيل: أن امرأة عمران بن حطان قالت له: أما زعمت أنك لم تكذب في شعر قط! قال: أو فعلت? قالت: أنت القائل:

فهناك مجزأة بن ثور ... كان أشجع من أسامة

أفيكون رجل أشجع من الأسد! قال: فقال: أنا رأيت مجزأة بن ثور فتح مدينة، والأسد لا يفتح مدينة.


١ المسك: الجلد.

<<  <  ج: ص:  >  >>