للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"يا رسول الله! بنات كسرى وقيصر في الحلي والحلل والإماء (١) والخَوَل (٢)، ونحن على ما تراه من الفاقة والضيق"!! وآلمنَ قلبه بمطالبتهنّ له بتوسعة الحال، وأن يعاملهن بما تعامل به الملوك وأبناء الدنيا أزواجهم، فأمره الله تعالى أن يتلو عليهنَّ ما نزل في أمرهن من تخييرهن في فراقه، وذلك في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ٢٨ {(٣) وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} (٤) [سورة الأحزاب ٣٣: ٢٨ - ٢٩]، فبدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعائشة فقال لها: "إني ذاكر لكِ منْكُنَّ أمراً ما أحبّ أن تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك"، فقالت: "ما هو؟! "، فتلا عليها الآية، فقالت: "أفيكَ أَسْتَأمِر أبويَّ؟! بل أختار الله تعالى ورسوله" ... ثم تتابعن كلهنَّ على ذلك، فسماهنّ الله: أمهات المؤمنين، تعظيماً لحقهنَّ، وتأكيداً لحرمتهنَّ، وتفضيلاً لهنَّ على سائر النساء.

لقد أمره ربه أن يخيِّرهنَّ جميعاً في سراحهنّ فيكنّ كالنساء ويجدن ما شئن من دنيا المرأة، وبين إمساكهنَّ فلا يكنّ في بيعة أخرى تبدأ من حيث تنتهي الدنيا وزينتها، ولا تقتصر الآيتان الكريمتان عن نفي الدنيا وزينة الدنيا عنهنَّ، بل نفت الأمل في ذلك إلى آخر الدهر،


(١) الإماء: جمع أمَةٌ: المرأة المملوكة دون الحرة.
(٢) الخول: جمع الخولي، وهي القائم بأمر الناس السائس له. والخولي: الراعي الحسن القيام على الماشية وغيرها.
(٣) السراح: الطلاق. ومتعة الطلاق: ما تعطاه المطلقة، وهو يختلف حسب السعة والاقتدار.
(٤) انظر تفسيرها في ابن كثير ٦/ ٥٣٨ وتفسير البغوي ٦/ ٥٤٨ وتفسير الكشاف ٢/ ٤٢٩.

<<  <   >  >>