للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خالداً موضع أبي عبيدة (١).

وكان أبو عبيدة - رضي الله عنه -، لا يكترث بالمناصب، كما كان لا يكترث بالمال، فقد أرسل عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة بأربعة آلاف درهم وأربعمئة دينار وقال لرسوله: "انظر ما يصنع"! فقسّمها أبو عبيدة بين الناس، فلما أخبر عمرَ رسولُه بما صنع أبو عبيدة قال: "الحمد لله الذي جعل في الإسلام من يصنع هذا" (٢).

ولما قدم عمر الشام، تلقاه أمراء الأجناد وعظماء أهل الأرض، فقال عمر: "أين أخي"! فقالوا: مَنْ؟ قال: "أبو عبيدة"، قالوا: يأتيك الآن! وجاء أبو عبيدة على ناقة مخطومة بحبلٍ، فسلّم عليه، فقال عمر للناس: "انصرفوا عنا". وسار مع أبي عبيدة حتى أتى منزله فنزل عليه، فلم يرَ في بيته إلا سيفه وترسه، فقال عمر: "لو اتخذت متاعاً - أو قال: شيئاً"، فقال: "يا أمير المؤمنين!! إن هذا سيبلغنا المقيل" (٣). وفي رواية أن عمر قال: "اذهب بنا إلى منزلك يا أبا عبيدة"، فقال له: "وما تصنع عندي يا أمير المؤمنين؟! ما تريد إلا أن تعصر عينيك عليّ". ودخل عمر بيت أبي عبيدة، فلم يرَ في البيت شيئاً، فقال: "وأين متاعك؟! لا أرى إلا لبداً وصفحة وشناً (٤) وأنت أمير! أعندك طعام"؟ فقام أبو عبيدة إلى جونة (٥)، فأخذ منها كسيرات، فبكى عمر، فقال أبو عبيدة: "قلت لك أنك ستعصر عينيك عليّ يا أمير المؤمنين ... !


(١) اليعقوبي ٢/ ١١٧.
(٢) طبقات ابن سعد ٤/ ٤١٣.
(٣) المقيل: النوم عند الظهيرة، ويقصد به: الموت.
(٤) الشن: القربة الخلق.
(٥) الجونة: السلة المستديرة.

<<  <   >  >>