للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحضر أسد مجالس محمد بن الحسن الشيباني العامة، فلم يكتف بذلك، بل طلب إليه أن يسمح له بوقت يخصه فيه بالدراسة، فقال أسد لمحمد بن الحسن: "إني غريب وقليل النفقة، والسماع عندك نزر، والطلب عندك كثير، فما حيلتي"؟ ... فرحَّب محمد بن الحسن باستزادة تلميذه من العلم، وقال له: "اسمع مع العراقيين بالنهار، وقد جعلت لك الليل وحدك، فتأتي فتبيت عندي، فأُسمعك". قال أسد: "فكنت أبيت في سقيفة بيت يسكن محمد بن الحسن في علوه، فكان ينزل إليّ، ويضع بين يديه قدحاً فيه ماء، ثم يأخذ في القراءة، فإذا طال الليل ورآني نعست، ملأ يده ماء ونضح به على وجهي فأنتبه، فكان ذلك دأبي ودأبه، حتى أتيت على ما أريد من السماع عليه (١).

وقد أسبغ محمد بن الحسن رعايته المادية والمعنوية على تلميذه أسد، كما كان يفعل السلف الصالح من الأساتذة بتلامذتهم، قال أسد: "كنت جالساً يوماً في حلقة محمد بن الحسن، فصاح صائح: الماء للسبيل ... فقمت مبادراً، فشربت من الماء، ثم رجعت إلى الحلقة، فقال محمد بن الحسن: يا مغربي! ... أشربت ماء السبيل؟! فقلت: أصلحك الله، وأنا ابن سبيل! ... ثم انصرفت.

فلما كان الليل، إذا بإنسان يدق الباب، فخرجت إليه، فإذا خادم محمد بن الحسن فقال: مولاي يقرأ عليك السلام ويقول لك: ما علمت أنك ابن سبيل إلا في يومي، فخذ هذه النفقة، فاستعن بها على حاجتك ... ثم دفع لي صرة ثقيلة. فقلت في نفسي: هذه كلها


(١) رياض النفوس ١/ ١٧٣.

<<  <   >  >>