للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكان حليماً إلى أبعد الحدود، قال ابن شداد: " ... تقدم إليه مملوك، وعرض عليه قصته (١) لبعض المجاهدين، فقال له: ... أخِّرها ساعة ... "ولم يفعل المملوك، وقرب القصة إلى قريب من وجهه الكريم بيده، وفتحها بحيث يقرؤها، فوقف على الاسم المكتوب في رأسها فعرفه، فقال: رجل مستحق. فقال المملوك: يوقع المولى له، فقال: ليست الدواة حاضرة الآن.

"وكان جالساً في باب الخيمة بحيث لا يستطيع أحد الدخول إليها، والدواة في صدرها، والخيمة كبيرة، فقال له المخاطب: هذه الدواة في صدر الخيمة! ... وليس لهذا معنى إلاَّ أمره إياه بإحضار الدواة، فالتفت فرأى الدواة فقال: والله لقد صدق.

"ثم امتدَّ على يده اليسرى، ومدَّ يده اليمنى فأحضرها ووقَّع له، فقلتُ: قال الله تعالى في حقِّ نبيه - صلى الله عليه وسلم -: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، وما أرى المولى إلاَّ قد شاركه في هذا الخلق، فقال ما ضرَّنا شيء ... قضينا حاجته، وحصل الثواب" (٢).

وكان كثير المروءة، ندي اليد، كثير الحياء، مبسوط الوجه لمن يَرِدُ عليه من الضيوف، لا يرى أن يفارقه الضيف حتى يطعم عنده، ولا يخاطبه بشيء إلاَّ وينجزه.


(١) يريد: مذكرة كما يعبر عنها المصريون وعريضة كما يعبّر عنها العراقيون، وهي مذكرة مكتوبة، تفصل حاجة الطالب.
(٢) النوادر السلطانية ٢٨ - ٢٩.

<<  <   >  >>