وكان يكرم الوافد عليه وإن كان كافراً، وكان يكرم مَن يرد عليه من المشايخ وأرباب العلم والفضل وذوي الأقدار، وكان يوصي رجاله المقرَّبين بألاَّ يفضلوا عمن يجتاز بالمكان الذي هو فيه من المشايخ المعروفين إلاَّ أحضروهم عنده ليراهم ويقدِّم لهم الهدايا.
ومَثُلَ بين يديه أسير إفرنجي وقد هابه، فرقَّ له ومَنَّ عليه وأطلق سراحه.
وجاءته يوماً امرأة إفرنجية، وكانت ابنتها قد اختطفت، فقالت له:"قيل لي (١): إنَّ الملك رحيم، ونحن نخرجك إليه تطلبين ابنتك منه، فأخرجوني إليك، ولا أعرف بنتي إلاَّ منك "، فرقَّ لها ودمعت عينه وحرَّكته مروءته، فلم يقر له قرار إلاَّ بعد العثور على ابنتها وتسليمها لها، ثم حُمِلَتْ حتى أعيدت إلى معسكر الإفرنج.
وكان حسن العشرة، لطيف الأخلاق، طيِّب الفكاهة، حافظاً لأنساب العرب ووقائعهم، عارفاً بسيرهم وأحوالهم، حافظاً لأنساب خيلهم، عالماً بعجائب الدنيا ونوادرها، بحيث يستفيد محاضره منه ما لا يسمع من غيره.
وكان حسن الخلق، يسأل الواحد من رجاله عن مرضه ومداواته ومطعمه ومشربه وتقلبات أحواله.
وكان طاهر المجلس، لا يذكر أحد بين يديه إلاَّ بالخير. وكان طاهر السمع، فلا يحب أن يسمع عن أحد إلا الخير. وكان طاهر
(١) تريد: قومها الإفرنج، فهم الذين نصحوها باللجوء إلى صلاح الدين، لأنهم كانوا يعرفون خصاله ومزاياه.