اللسان، فما سُمع يشتم أحداً قط. وكان طاهر القلم، فما كتب بقلمه إيذاء مسلم قطّ.
وكان حسن العهد والوفاء، فما أحضر بين يديه يتيم إلاَّ وترحَّم على مخلفيه، وجبر قلبه وأعطاه أرزاق مخلفه. فإن كان له من أهله كبير يعتمد عليه، سلَّمه إليه، وإلاَّ أبقى له من أرزاق مخلفه ما يكفي حاجته، وسلَّمه إلى مَنْ يعتني بتربيته ويكفلها.
وكان لا يرى شيخاً إلاَّ ويرقُّ له ويعطيه ويحسن إليه (١)، ولا يرى محتاجاً إلاَّ مدَّ إليه يد العون.
ذلك هو صلاح الدين: رجل لا كالرجال، لا يتكرر مثله إلا نادراً، مؤمن بالله إيماناً راسخاً، تقي نقي ورع، عامل عالم، يحب العلم ويُقبل عليه، ويحتضن العلماء ويشجعهم، كريم كالريح المرسلة، شجاع كالأسد، صبور مصابر، مجاهد لإعلاء كلمة الله، حليم عادل ذو مروءة وشهامة، يرعى الضعفاء والأيتام والشيوخ، يعمل للمصلحة العامة لا لنفسه، قائدٌ ماهر وجنديٌّ متميِّز.
مات وفي يده السيف، ورحل عن الدنيا وهو فقير، ولكنه بقي مِلْءَ السمع والبصر، سيرته مسك مضمَّخ بالنور.
لقد عاش حياته موحِّداً من أجل الجهاد ومجاهداً من أجل التوحيد.