وذهب رسل قسطنطين إلى محمد الفاتح بآسيا الصغرى يحملون إليه الإنذار والوعيد، فلم يرَ السلطان الفاتح أن يقابل هذا العدو بمثله قبل الانتهاء من أمر أمير القرمان، وكان فوق ذلك بعيداً عن مقرّ دولته بأدرنه في أوروبا، حتى لا يعمد قسطنطين إلى قطع خط الرجعة أو عرقلة خطوط مواصلاته وسد المسالك البحرية التي تربط بين جبهة القتال وقواعده ... لذلك أحسن مقابلة رسل قسطنطين ولايَنَهم في القول ووعدهم بالنظر في طلبهم.
وما إن عاد السلطان إلى أدرنه، حتى أمر بإلغاء الراتب الذي خصّص لأورخان، وأخذ يعدُّ العُدَّة لحصار القسطنطينية والقضاء على هذه المدينة التي ما فتئت تهدد الدولة العثمانية من حين إلى حين.
والواقع أنَّ تصرُّف محمد الفاتح مع رسل قسطنطين في تلك الظروف الحرجة التي كان يجتازها وهو في حرب لا يعلم أحد نتائجها، وخط رجعته تحت رحمة البيزنطيين، وخطوط مواصلاته البريَّة والبحرية تحت رحمتهم أيضاً؛ لذلك تمالك نفسه، وسيطر على أعصابه، وكتم نياته وأظهر الموافقة وهو يخفي الرفض، وعزم عزماً أكيداً على تحقيق حلم آبائه وأجداده في فتح القسطنطينية.
لقد كان محمد الفاتح مع والده مراد الثاني في حرب الصليبيين، فشهد بنفسه الهلع الذي انتاب المسلمين عندما سمعوا بأنَّ جموع الصليبيين قد أحاطت بهم من البر والبحر، وسمع والده السلطان مراد قبل معركة (وارنه) يقسم: "لئن كشف الله عني هذا البلاء؛ لأزحفنَّ لساعتي إلى القسطنطينية"، وقد برَّ بيمينه فزحف إليها وحاصرها،