للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكن وسائله لم تعنه على فتحها. ولم يكن للسلطان مراد وهو شيخ كبير من العزم والقوة والمصابرة ما لابنه محمد، فكرَّر له قبل وفاته وصاة جدّه عثمان بفتح القسطنطينية، وأدرك السلطان الفاتح نفسه بأنه لن يستقر له أمن ولا طمأنينة ما بقيت القسطنطينية العاصمة الطبيعية لإمبراطوريته في يد أعدائه.

لقد عانى العثمانيون ما عانوا من الدولة البيزنطية، وحين عجزت بيزنطة عن منازلتهم في ميادين القتال، عمدت إلى منازلتهم بالدسّ والمكيدة والفتنة، فهي تارةً تثير عليهم أمراء آسيا في الشرق، وتارة تؤلّب عليهم أمراء الغرب، وتارة تحرّض عليهم هؤلاء وهؤلاء وتغريهم بقتال العثمانيين.

ولم ينسَ محمد الفاتح أنَّ بيزنطة هي التي حرَّضت تيمورلنك على قتال آبائه وأجداده، فسبَّبت ما نزل بالدولة العثمانية من نكبة وبلاء.

ولم ينسَ أنَّ القسطنطينية تفتح أبوابها لكل خارج على الدولة العثمانية، كما كانت تعتقل الأمراء (العثمانيين) وتحبسهم لديها، ثم تهدّد بهم السلاطين العثمانيين وتطلقهم في اللحظة المواتية، وتجر على الدولة العثمانية بذلك حرباً أهلية دامية.

وهو يعلم أنَّ طريق الاتصال بين الجزء الآسيوي من الدولة العثمانية والجزء الأوروبي منها تسيطر عليه القسطنطينية، وفي وسعها قطعه أو عرقلته، ولم يكن للعثمانيين أسطول يؤمّن لهم السيادة في بحر (مرمره)، وطالما هدَّدت القسطنطينية الجزء الأوروبي من الدولة العثمانية بالخطر الداهم، فكانت هذه المدينة شوكة في جسم الدولة

<<  <   >  >>