وظلَّت السفن العثمانية تهاجم ميناء (القرن الذهبي) مرة بعد مرة، كما ظل العثمانيون من ناحية البر يهاجمون السور مرة بعد مرة، وكان الفاتح يرى من إدامة زخم الهجوم براً وبحراً ليلاً ونهاراً إلى إنهاك قوى المحاصَرين مادياً ومعنوياً، حتى أرهق أعصاب المحاصَرين وأصبحت نفوسهم مرهقة مكدودة تثور لأتفه الأسباب. ونتيجة لذلك تكرر النزاع في القسطنطينية بين البنادقة والجنويين، وكثيراً ما انتهت تلك المنازعات إلى الاقتتال في شوارعها، فيهرع إليهم قسطنطين وقد أخضلت عيونه بالدمع يضرع إليهم ويناشدهم الله إلا كفوا عن هذا النزاع والشجار، وأن ينصرفوا إلى قتال عدوهم المشترك.
وعقد قسطنطين مؤتمراً حربياً، فاقترح أحد رجاله مباغتة العثمانيين بهجوم شديد يستهدف بالدرجة الأولى مخازن المؤن ومستودعات السلاح والعتاد، فإن ذلك حريٌّ بإحياء العزيمة وبعث الهمة في رجاله، ولكن صرف النظر عن تنفيذ هذه الخطة لاستحالة نجاحها.
وفيما هم مجتمعون جاءهم جندي وأخبرهم بأن العثمانيين شنُّوا هجوماً شديداً باتجاه وادي (ليكوس)، فوثب قسطنطين على فرسه وانطلق به حُضراً حتى وصل إلى موضع الهجوم حيث كان القتال لا يزال محتدماً على أشده بين العثمانيين والروم. وزج قسطنطين بقواته الاحتياطية لصد هجوم العثمانيين، وذهب كثير من الناس إلى الكنائس يصلُّون ويتضرَّعون حتى مطلع الفجر عندما بلغهم انسحاب العثمانيين إلى قواعدهم، وكان ذلك في يوم الجمعة الثاني من جمادى الأولى (اليوم الثاني عشر من مايس - مايو).