للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اهتدوا إلى سرداب خفي يوصل إلى المدينة، ولكن فرحهم لم يطل، فلم تكد أعينهم تلمح السماء، حتى صبَّ الروم عليهم الغاز والنفط والمواد الملتهبة، فمنهم من اختنق ومنهم من احترق، ومنهم من عاد أدراجه خائباً.

ولكن هذا الإخفاق لم يفتّ في عضد المسلمين، فعاودوا حفر الأنفاق مرة بعد مرة في مواضع مختلفة من المنطقة الممتدة بين (أكرى قبو) وشاطئ (القرن الذهبي)، إذ كانت هذه المنطقة أصلح مكان للقيام بالحفر، وظلُّوا على ذلك حتى أواخر أيام الحصار.

وأصاب الروم من جرَّاء ذلك خوف عظيم وفزع لا يوصف، حتى صاروا يتسمَّعون بين حين وحين إلى مواطئ أقدامهم، وكثيراً ما كان يخيِّل إليهم الخوف أن الأرض ستنشق ويخرج منها الجنود العثمانيون.

ولم يكن هذا العمل سهلاً هيناً، فإنَّ هذه الأنفاق التي حفرها العثمانيون قد أودت بحياة كثير منهم ماتوا اختناقاً واحتراقاً في باطن الأرض، كما وقع كثيرٌ منهم في أيدي الروم فقُطعت رؤوسهم وقُذف بها إلى معسكر السلطان.

ولم يكد سكان القسطنطينية يستفيقون من الدهشة التي انتابتهم من أنفاق العثمانيين التي حفروها تحت مدينتهم، حتى باغتهم الفاتح باختراع جديد من وسائل الحصار تفتقت عنه ألمعيته وعبقريته الفذة؛ فقد استيقظ أهل القسطنطينية صباح يوم الأحد الثاني عشر من جمادى الأولى (يوم ٢١ مايس - مايو)، فإذا بهم يرون أمامهم قلعة ضخمة

<<  <   >  >>