شاهقة من الخشب أكثر ارتفاعاً وسموقاً من السور الخارجي، ذات ثلاث طبقات كسيت كلها بالجلود السميكة المبللة بالماء لئلا تؤثِّر فيها النار والنبال، وكان في كل طبقة منها عدد من الجنود يحملون القذائف ومختلف معدَّات القتال، وتحمل في أسفلها التراب والأحجار والأخشاب لردم الخنادق، وفي أعلاها سلالم من الحبال عصبت أطرافها كلاليب تلقى على أعلى السور فتنشب فيه ويمر عليها الجنود كالقنطرة أو الجسر، بينما النبالة يصوِّبون نبالهم على كل مَن يظهر رأسه من السور، ولم يكن بمقدور المدافعين عن المدينة نصب مدافعهم الكبيرة على الأسوار، لأن اهتزازها عند إطلاق القنابل منها قد يزلزل الأسوار ويهدّها.
وقد هال أهل القسطنيطينية أمر هذه القلعة الجبَّارة، ووقف قسطنطين ومن معه من أهل المدينة ينظرون إليها في عجب ودهشة وفزع، وقد شهد المؤرخ البندقي (باربارو) الذي شهد هذه القلعة بنفسه فقال: "لو اجتمع نصارى القسطنطينية على أن يصنعوا مثل هذه القلعة، لما صنعوها في شهر، وقد صنعها المسلمون في ليلة واحدة بل في أقل من أربع ساعات".
وأقيمت هذه القلعة الجبارة تجاه باب القديس رومانوس (طوب قبو) الذي يدافع عنه المغامر الإيطالي (جستنيان)، فلم يعد في إمكان المحاصَرين إصلاح الثغرات الخارجية التي تدكها المدفعية العثمانية طالما هذه القلعة واقفة بالمرصاد، بل أخذت القذائف الحجرية الضخمة تنهال من هذه القلعة نفسها فدكَّت أحد أبراج السور القريبة عند (طوب قبو). واندفع المسلمون نحو هذه الثغرة، واقتربت القلعة إلى السور، وتسلَّق قسم من الجنود العثمانيين السور بالسلالم، وحمي