يسلّم القسطنطينية بعد أن وصلت إلى ما وصلت إليه من الخراب والبؤس والشقاء وتهدَّمت أسوارها، وأن يجنّب الأطفال والنساء والشيوخ أهوال الحروب وويلاتها، وعرض عليه باسم السلطان أن يكون حاكماً على (الموره) كما كان من قبل. أما سكان المدينة فمن أراد الرحيل عنها بما شاء من أمواله، ومَن آثر البقاء فيها ضَمِن لهم السلطان الأمان على أنفسهم وأموالهم وأولادهم. فإن أبى قسطنطين هذا، فلا ينتظرنَّ غير الحرب الشعواء الضروس التي لا ترحم.
واجتمع قسطنطين برجاله وأهل مشورته وعرض عليهم رسالة الفاتح، فمال قسم منهم إلى تسليم المدينة، ولكنّ جستنيان ونفراً من رجال الحرب أصرُّوا على مواصلة القتال مهما تكن نتائجه. وكان ذلك رأي قسطنطين، فقال لرسول الفاتح:"إنه يشكر الله إذ جنح السلطان إلى السلم، وإنه يرضى أن يدفع له الجزية. أما القسطنطينية، فإنه قد أقسم أن يدافع عنها إلى آخر نفس في حياته؛ فإما أن يحتفظ بعرشها أو يدفن تحت أسوارها". فلما بلغ الفاتح جواب قسطنطين قال:"حسناً، عما قريب سيكون لي في القسطنطينية عرش، أو يكون لي فيها قبر".
وعمد السلطان الفاتح إلى مضاعفة قوة مدفعيته واستمرار قصفها للأسوار بدون انقطاع، وقد تمكَّن المهندسون من ابتكار مدفع جديد يرمي قنابله إلى أعلى فتتخطى الأسوار وتسقط في قلب المدينة، كما هي الحال في مدافع الهاون، وكانت المدفعية قبل ذلك ترمي بصورة مستقيمة، فتصيب الأسوار ولا تتخطاها، وبابتكار المدافع الجديدة أصبحت المدينة كلها لا الأسوار وحدها تحت رحمة قصف المدفعية العثمانية.