وفي مساء ذلك اليوم أوقد الجنود العثمانيين النيران والمشاعل والقناديل، وأشعلت الشموع على رؤوس الرماح حول معسكرهم، وتصاعد الضوء إلى الفضاء في توهُّج ونور، وتشرَّبت مياه بحر (مرمره) والبسفور باللون الأحمر واستحالت السماء إلى قبة حمراء.
وتعالت صيحات المسلمين وهم يهتفون بأعلى صوتهم:"لا إله إلا الله، محمد رسول الله". يقول رئيس الأساقفة (ليونارد Leonard) الذي شهد هذا المنظر الرائع بأم عينيه، إذ كان في القسطنطينية مع المحصورين:"لو أنك سمعت مثلنا صيحاتهم المتوالية المتصاعدة إلى السماء: (لا إله إلا الله، محمد رسول الله) لأخذتك الروعة والإعجاب".
وأمضى السلطان يوم الإثنين التاسع عشر من جمادى الأولى سنة سبع وخمسين وثمانمئة الهجرية الثامن والعشرين من مايس (مايو) في إكمال استعداداته الأخيرة، فطاف بالسور مرة أخرى ليكمل استطلاعه الشخصي المفصَّل؛ كما فتَّش جنوده، ليتعرَّف على درجة استعدادهم وحالتهم المعنوية.
وقصد في نفس اليوم إلى مَرْسى أسطوله في (بشكطاش) يصحبه حمزة باشا أمير البحر، ليطلع بنفسه على ما اتخذه من الاستعدادات.
وسأل الفاتح قائد بحريَّته حمزة باشا إن كان ثمة نقص في شيء، فأجابه:"إنَّ كل شيء قد تمَّ، وإنَّنا في انتظار أوامركم لتنفيذها"؛ فطلب إليه الفاتح أن يشترك جميع الأسطول في الهجوم العام، ويصفّ