فقد ظنُّوا لأول وهلة عند انسحاب المهاجمين أنهم قد دحروا العثمانيين، ولكنهم لم يكادوا يتنفسون الصعداء، حتى بوغتوا بهجوم أشدّ وطأة وعنفاً من الهجوم الأول، فقد كان جنود الأناضول أحسن تدريباً وأفضل تنظيماً وأشدَّ ضبطاً وأكثر مراساً في القتال.
ومن الواضح أن السلطان كان يرمي من هجومه الأول استنزاف طاقات المدافعين وإرهاقهم، قبل أن يضربهم الضربة الشديدة القاضية، فاستخدم جنوده الذين كانوا من الدرجة الثانية تنظيماً وتدريباً وضبطاً وتجربة، واستطاع تحقيق هدفه الابتدائي من الهجوم.
كانت أشعة الفجر قد بدأت تنير المكان، وبذلك انتهى هجوم العثمانيين الليلي ليبدأ هجومهم النهاري.
واندفع العثمانيون يهاجمون السور، وقد لبس قسم منهم الدروع وهم يهلِّلون ويكبِّرون، وأقام كثير منهم السلالم للتسلُّق.
وأدرك قسطنطين خطورة الموقف، فأتى إلى هذا المكان بمزيد من الجند وآلات الرمي والقذف، ونصب مدافع صغيرة؛ ونشط جستنيان وجنوده المدرَّعون، وقاوموا هذا الهجوم مقاومة عنيفة باسلة، وصبُّوا قذائفهم ونيرانهم الحامية على المهاجمين، وقلبوا السلالم التي أُسندت إلى السور، ولكن ذلك لم يزد العثمانيين إلا حماسة وشدة في القتال وتصميماً على إحراز النصر.
ووقف الفاتح على ظهر حصانه يرقب هذه المعركة الدامية، وكان أشد القتال يجري على السور نفسه، حيث التحم المهاجمون والمدافعون بالسلاح الأبيض، ولكن القذائف والسهام التي صبَّت بكثافة على