وأصدر زغنوس باشا مرسوماً في هذا الأمر باسم السلطان، ضمن لهم فيه حرية العبادة وبقاء كنائسهم، وأن تكون لهم إدارتهم الداخلية الخاصة وينتخبوا حاكمهم بأنفسهم، وضمن لهم كذلك حرية التجارة في جميع أرجاء الدولة العثمانية براً وبحراً على أن يدفعوا جزية سنوية وتهدم أسوار مدينتهم. وبعد خمسة أيام من فتح القسطنطينية، زار الفاتح مدينة (غلطه)، فنزع عنها جميع الوسائل التي تغريها أو تعينها على العصيان والثورة، فجرَّدها من السلاح وهدم أسوارها من ناحية البر لتكون مفتوحة أمام الجيوش العثمانية، وأبقى على أسوارها من ناحية البحر.
ووجد الفاتح كثيراً من البيوت والمحلات في (غلطه) خاوية قد هجرها أهلها وأصحابها، فأمر بإحصاء هذه المباني وتسجيلها في سجل خاص لكي لا يضيع منها شيء. وبعث الفاتح رسولاً خاصاً ومعه رسالة من الحاكم الجنوي إلى الجنويين الذين فرُّوا إلى جزيرة (خيوس) يدعوهم للعودة إلى (غلطه) حيث يستعيدون جميع أملاكهم، وأمهلهم ثلاثة أشهر - وهي مدة كافية لانجلاء الموقف ومعرفة الحقائق بعيداً عن التهويل والدعايات المعادية والإشاعات المغرضة -، فإن عادوا خلال هذه المدة أعيدت إليهم جميع أملاكهم ومتاجرهم وأموالهم وأمتعتهم، وإلا أصبحت للدولة.
وقد كان استسلام مستعمرة (غلطه) أسوأ ما نزل من الكوارث
بجمهورية (جنوا) الإيطالية، فضاعفت نشاطها وجهودها في محاربة العثمانيين، وأخذت تؤلِّب دول أوروبا لشنّ حرب صليبية شاملة عليها.