جهودها وقواها ضد العدو المشترك. وكاد هذا الحلف الصليبي يتم لولا أن البابا اشتدَّ عليه أثر الصدمة العنيفة من نبأ سقوط القسطنطينية فأضناه الكمد والهمّ فمات في ٢٥ من آذار (مارس) سنة ١٤٥٥م، وترك لخلفائه مواصلة العمل لإكمال ما شرع فيه.
وكان من أعظم الناس تأثراً باستيلاء العثمانيين على القسطنطينية فيليب الطيب دوق (بورغنديا)، وقد كان هذا الدوق بطبعه ذا نزعة صليبية عارمة، وكان من أشد الناس حماسة لقتال العثمانيين من قبل سقوط القسطنطينية. فلما استولى العثمانيون على هذه المدينة وجاءه رسول البابا سنة ١٤٥٣ م يستحثّه على قتال محمد الفاتح، التهب حماسة وحمية واستنفر جميع النصارى إلى هذا القتال، وذهب بنفسه إلى ألمانيا يستنهض إمبراطورها فريدريك الثالث الذي وعده خيراً. وبعث هذا الإمبراطور بدوره إلى ملك فرنسا شارل السابع، ولم يكن شارل في حاجة إلى مثل هذه الإثارة والتحريض، فقد كان يتحفز حمية وشوقاً إلى قتال العثمانيين، ولكن كان عليه إذ ذاك أن يواجه عدواً آخر أكثر قرباً منه وأشد خطراً عليه وهم الإنكليز، فرأى أن ينهي أمره معهم أولاً، ثم يتفرغ بعد ذلك للعثمانيين، واكتفى آنئذٍ بأن عاون في تقوية تحصينات جزيرة (رودس) التي كان يتوقع أن يغزوها السلطان الفاتح.
أما الدوق فيليب الطيب، فإنه ما إن عاد إلى (فلاندرس) حتى أقام حفلة تمثيلية في مدينة (ليل Lille) لاستثارة الحمية والنخوة، دعا إليها نبلاء قومه. وعرض في هذه الحفلة منظراً يمثل سقوط القسطنطينية واستغاثتها بحماة النصرانية، وأعلن الدوق بعد ذلك أنه سيسير بنفسه إلى قتال العثمانيين، وحذا حذوه جميع النبلاء والفرسان.