للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفاة محمد الفاتح حتى أمر بفتح جميع الكنائس وأقيمت فيها الصلوات والاحتفالات، وسارت المواكب العامة تجوب الشوارع والطرقات وهي تنشد أناشيد النصر والفرح بين طلقات المدافع. وظلت هذه الاحتفالات والمهرجانات قائمة في روما طيلة ثلاثة أيام. ولم تفعل البابوية مثل ذلك قط لموت أي رجل من رجال الإسلام من قبل ولا من بعد. ولا غرو فقد حاربت البابوية السلطان الفاتح بكل ما ملكت من قوة وحيلة طيلة ثلاثين عاماً، وألّبت عليه ملوك وأمراء ورؤساء الغرب والشرق، فلم يغن ذلك عنها شيئاً، وحاولت أن تستميله وحببت إليه اعتناق النصرانية وأغرته بملك الخافقين والمجد القاهر في الأرض، فلم تفلح في مسعاها وباءت بالإخفاق الشنيع.

وظل السلطان الفاتح في جهاده يمضي قُدُماً لا يصده شيء، حتى أنزل جنوده في جنوب إيطاليا، فارتاعت البابوية وأوشكت أن تلقى مصرعها، ولكن القدر المحتوم كان قد جعل للفاتح أجلاً ينتهي عنده، لا يستقدم ساعة ولا يستأخر، فتخلصت النصرانية من أعظم خطر كان يهددها.

انطفأت فجأة الآمال الضخام التي كانت معقودة على قيادة محمد الفاتح بانطفاء حياته الغالية، وكان موته نكبة عظيمة للإسلام والمسلمين، فلا عجب أن بكاهُ المسلمون بحرارة ولوعة في جميع أرجاء الأرض، وحزنوا عليه حزناً شديداً، وأقيمت المآتم في كل أرض إسلامية على النطاقين الرسمي والشعبي.

لقد أدّى واجبه كاملاً لدينه وأمته، وجاهد في الله حق جهاده،

<<  <   >  >>