وتثقيفه، غير أن محمداً أظهر أول الأمر جموحاً وإعراضاً شديداً عن التعليم والدرس، ولم يسلس قياده لأحد من المعلمين الذين ندبهم أبوه لتعليمه!.
وسأل أبوه عن رجل ذي جلالة ومهابة وشدة، فدُلّ على المولى أحمد بن إسماعيل الكوراني الذي كان طويل القامة كثّ اللحية مهيب الطلعة، فأعطاه السلطان مراد قضيباً ليضرب به. ودخل على محمد الفاتح والقضيب في يده وقال له:"أرسلني والدك للتعليم والضرب إذا خالفت أمري"، فضحك منه محمد وسخر من كلامه، فعاجله المولى الكوراني بضربة قوية ارتاع لها الفتى الشموس ثم استخذى لها، وأدرك أنه أمام معلم من نوع جديد يختلف عمن سبقه كل الاختلاف. وكأنما كانت هذه الضربة الأولى الحازمة التي تلقاها محمد هي الطلسم الذي أعاده إلى رشده، إذ أقبل بعدها على التعليم بنهم وجدّ ونشاط، فما مضى عليه غير قليل من الوقت حتى ختم القرآن الكريم. واستبشر والده بذلك واغتبط، وغمر المولى الكوراني بالعطايا والأموال الغفيرة.
ولم يسمع السلطان مراد بعد ذلك بأستاذ برع في علم من العلوم أو مهر في فن من الفنون أو اشتهر بخصلة من خصال الفضيلة، إلا ويستدعيه ويبعثه إلى ابنه محمد لتعليمه وتأديبه (١)، وفي مقدمتهم المولى محمد بن فرامز خسرو: " وكان إماماً بارعاً مفنناً محققاً نظاراً طويل
(١) وقد كان المولى الكوراني - أول أساتذة محمد الفاتح - عالماً فقيهاً، شهد له علماء عصره بالتفوق والإتقان، ويقول السيوطي في ترجمته: "ودأب في فنون العلم حتى فاق في المعقولات والأصلين والمنطق وغير ذلك، ومهر في النحو والمعاني والبيان، وبرع في الفقه واشتهر بالفضيلة ... "؛ انظر السيوطي في: نظم العقيان.