الباع راسخ القدم" (١)، وتلقى العلم على كثيرين غيره.
وإلى جانب هؤلاء الشيوخ والفقهاء، أحضر السلطان مراد إلى ابنه أساتذة في الرياضيات والجغرافية والفلك والتاريخ واللغات المختلفة. وقد حذق محمد الفاتح من هذه اللغات - فضلاً عن لغته التركية - العربية والفارسية واللاتينية واليونانية.
ولم ينقطع محمد الفاتح بعد توليه السلطنة عن التعلم والدرس، فما توسّم في رجل نبوغاً أو تضلعاً في علم من العلوم إلا اتخذه معلماً لنفسه. وأكب الفاتح على دراسة التاريخ، لا سيما ما يتعلق بسير عظماء الشرق والغرب، فقرأ بإمعان حياة القياصرة، وأعجب بشخصية الإسكندر المقدوني، فقد لمح فيها صورة من نفسه ورأى فيها قوة النفس وصحة العزم وسرعة التنفيذ بعد إحكام الخطة وعدم التردد. كما قرأ سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسير الخلفاء الراشدين وقادة الفتح الإسلامي وسير الخلفاء والأمراء والقادة المسلمين. كما اهتم بوجه خاص بفلسفة أرسطو والرواقيين والفلسفة الإسلامية واتخذ له في ذلك أساتذة من العلماء النابهين.
وكان أول ما عني به السلطان الفاتح بعد فتح القسطنطينية أن أنشأ المدارس والمعاهد وعمل على نشرها في جميع أرجاء دولته. وقد كانت أول مدرسة في الدولة العثمانية هي التي أنشأها السلطان أورخان بمدينة (أزنيق)، وسار مَنْ بعده من السلاطين على منواله، وانتشرت
(١) السيوطي في نظم العقيان، وكان الفاتح يسميه: "أبا حنيفة زمانه"؟ انظر الشقائق النعمانية وشذرات الذهب.