أما السلطان الفاتح فقد بزّ أسلافه ومن جاء بعده من السلاطين في هذا المضمار: بزَّهم بما كان له من الثقافة العالية الممتازة، وبما بذله من جهود كبيرة في نشر العلم وإنشاء معاهده، وما أدخله من الإصلاح والتنظيم في مناهج التعليم، وما أسبغه من رعاية كريمة غامرة على أهل العلم والأدب والفن.
فقد أنشأ السلطان الفاتح المدارس وبثها في المدن الكبيرة والصغيرة، بل أنفذها إلى القرى النائية وأوقف عليها الأوقاف العظيمة، ونظم هذه المدارس ورتبها على درجات ومراحل ووضع لها المناهج وحدد العلوم والمواد التي تدرس في كل مرحلة، واتخذ لها الامتحانات، فلا ينتقل طالب من مرحلة إلى أخرى إلا بعد أداء امتحان دقيق عسير. وكان السلطان الفاتح يحضر هذه الامتحانات ويشهدها بنفسه، كما كان يزور هذه المدارس بين حين وآخر ويستمع إلى الدروس التي يلقيها الأساتذة، ثم يوصي الطلبة بالجد والاجتهاد، ويجزل العطاء للنابغين من الأساتذة والطلبة، وكان التعليم في جميع هذه المدارس بالمجان.
وكانت المواد التي تدرس في هذه المدارس: النحو والصرف والمنطق وعلم الكلام وعلم الأدب والحساب، وعلوم البلاغة من البيان والبديع والمعاني، والهندسة والهيئة والفقه والحديث والتفسير.
وأشهر المدارس التي أنشأها الفاتح هي المدارس الثمان التي أنشأها على جانبي مسجده الذي بناه بالقسطنطينية، على كل جانب منه