فقام مصعب - رضي الله عنه - بمهمته خير قيام، يدعو الناس إلى عبادة الله بالحكمة والموعظة الحسنة، متذرعاً بالحلم والصبر الذي تعلمه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فانتشر الإِسلام في المدينة وغيرها على يديه - رضي الله عنه -.
وقبل حلول موسم الحج التالي عاد مصعب بن عمير - رضي الله عنه - إلى مكة، ليبشر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بانتشار الإِسلام ويخبره بحصيلة دعوته في ذلك العام.
وكأنه يقول له: يا رسول الله إن المدينة تتهيأ لاستقبالك أنت ومن معك من المسلمين.
إخوة الإِسلام! ولما انتشر الإِسلام في المدينة، واطمأن المسلمون المهاجرون بين إخوانهم الأنصار، وبقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مكة يُلاقي عنت قريش وأذاها الذي كان يشتد على مر الأيام، قدم وفد الأنصار في موسم الحج فبايعوا بيعة العقبة الثانية. وممن حضر هذه البيعة جابر بن عبد الله الأنصاري، وهو يخبرنا الخبر: عن جابر - رضي الله عنه - قال:"مكث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة عشر سنين، يتبع الناس في منازلهم بعكاظ ومجنة، وفي المواسم بمنى؛ يقول: "من يؤويني، من ينصرني، حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة؟ " حتى إن الرجل ليخرج من اليمن أو من مضر -كذا قال- فيأتيه قومه فيقولون: احذر غلام قريش؛ لا يفتنك. ويمشي بين رحالهم، وهم يشيرون إليه بالأصابع؛ حتى بعثنا الله إليه من يثرب، فآويناه، وصدقناه، فيخرج الرجل منا، فيؤمن به، ويقرئه القرآن، فينقلب إلى أهله، فيسلمون بإسلامه، حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإِسلام، ثم ائتمروا جميعاً، فقلنا: حتى متى نترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُطرد في جبال مكة ويخاف؟ فرحل إليه منا سبعون رجلاً، حتى قدموا عليه في الموسم، فواعدناه شعب العقبة، فاجتمعنا عليه من رجل ورجلين حتى توافينا،