للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكنا نجمع الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً.

فلما كان ذات ليلةٍ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنكم ستأتون غداً عين تبوك- إن شاء الله تعالى- وإنكم لن تأتوها حتى يُضحي النهار، فمن جاءها منكم فلا يمسَّ من مائها شيئاً حتى آتي"، فجئناها وقد سبقنا إليها رجلان، والعين تبضُّ بشيءٍ من ماء، فسألهما رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "هل مسستما من مائها شيئاً؟ ".

قالا: نعم. فسبَّهُما، وقال لهما ما شاء اللهُ أن يقول، ثم غرفوا بأيديهم من العين قليلاً قليلاً حتى اجتمع شيءٌ، وغسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه يديه ووجهه، ثم أعاده فيها، فجرت العين بماءٍ كثير، فاستقى الناسُ.

فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "يا معاذ! يوشك إن طالت بك حياةٌ، أن ترى ما ها هنا قد ملئ جناناً" (١).

عباد الله! وفي الطريق إلى تبوك ضلَّت ناقة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقال رجل من المنافقين: أليس يزعم أنَّه نبي، ويخبركم عن السماء وهو لا يدري أين ناقته؟

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ رجلاً يقول: هذا محمَّد يخبركم أنه نبي، ويزعم أنه يخبركم بأمر السماء وهو لا يدري أين ناقته؟

وإني والله ما أعلم إلا ما علمني الله، وقد دلني الله عليها، وهي في هذا الوادي في شعب كذا وكذا، قد حبستها شجرة بزمامها، فانطلقوا حتى تأتوني بها" فذهبوا فجاؤوا بها (٢).

عباد الله! وفي الطريق مرَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بجيش المسلمين على الحِجر


(١) رواه مسلم (رقم ٧٠٦ بعد ١٠).
(٢) "زاد المعاد" (٣/ ٥٣٣).