نطق ذلك، فنعطيك ما أنفقت فى طريقك، وكان أنفق عشرين دينارا، فأمر له بخمسين دينارا، واستحله من تأخر حقه، فما سمع بهذا منه أحد الا خشع له قلبه، فى كلام هذا معناه.
أخبرنا أبو أحمد عن الصولى عن محمد بن الفضل قال: طالب رجل بعض قواد الا تراك بضيعة غصبه عليها بحضرة المهتدى، فقال التركى: لى وفى يدى، وقالت الفقهاء: لمن هى فى يده، وعلى خصمه البينة، فقال المهتدى: علّمت هذا، وذهب أمرك على من علمك. أنت فى الاسلام منقطع وحدك لا إرث لك، ولا يجوز أن تملك مال هذه الضيعة «١» الا بأقطاع «٢» أو شرى أو إرث عن زوجة، فهل ورثتها عن زوجة؟ قال: لا. قال: فأحضرنى كتب اقطاعك أو شراك، والا سلمتها اليه، فخرج التركى فاشتراها منه، وعجب الناس من فطنة المهتدى.
وكان الملك فى الجاهلية يجلس للعامة، فى النيروز مرة، «٣» وفى المهرجان»
مرة فيأتونه بظلاماتهم، فان تظلم منه متظلم، جاء حتى جلس مع خصمه عند المربد، فاذا نظر بينه وبينه لبس تاجه، وانتصب للنظر فى أمور الناس، فلم يطمع أحد فى ظلم أحد بعد ما رأى من اعطاء الملك الحق من نفسه، وقال أنو شروان: خفت أن يحجب عنى المظلوم، فعلق على أقرب الاستار اليه أجراسا، ووصلها بسلسلة ونادى مناديه، من ظلم فليحرك السلسلة، وهو الاصل فى قول الناس (حرك فلان السلسلة) على فلان اذا وشى به، وكان ملوك الفرس اذا بلغهم أن كلبا مات بقرية أخذوا أهلها بالبينة أنه مات حتف أنفه، ولم يمت جوعا.