فلما كان اليوم الثالث اقتتلوا نهارا، ووصلوه بليلتهم، وهى ليلة الهرير، فقال معاوية لعمرو لئن أصبح الناس على ما هم عليه انه لفناء العرب، أو ظهور ابن أبى طالب، فهل من رأى؟ قال: نعم. تأمر اذا أصبحت برفع المصاحف، بيننا وبينكم كتاب الله.
وقيل: ان معاوية هو الذى استخرج هذا الرأى وقال: والله لا رمينهم غدا فليعلقه برأى لم يشهد ابن أمه، «١» فلما أصبح نادى من كان عنده مصحف فليعلقه فى رمحه او عنق دابته، فأصبحوا وقد علقوا مائتى مصحف «٢» ، بالرماح وأعناق الخيل، وأمر ابن لهيعة، او ابن لبينة، فأوفى على شرف، ونادى: يا أهل العراق اذا قتلنا وقتلتم فمن يدفع الترك والروم عن حريمنا وحريمكم؟ بيننا وبينكم كتاب الله، فقال أهل العراق أجبنا، وأمسكوا عن القتال، فلم يقاتل أحد إلا الأشتر، وقال على للناس: أمضوا على أمركم، فانما رفعوا المصاحف ضجرا من الحرب، وان عمرا ومعاوية والضحاك وابن أبى سرح ليسوا بأهل دين ولا قرآن، قد عرفتهم صغارا وكبارا فلم أعرفهم بخير.
قالوا: لا يحل لنا قتالهم وقد دعونا الى كتاب الله، لنجيبنهم أو لننابذنك «٣» قالوا: وبعث الى الاشتر فكفه عن القتال، فلما رجع الاشتر قال لهم: شاهت الوجوه، أحين علوتم ظفرا، وظنوا أنكم قاهرون، رفعوا المصاحف وهنا وضجرا، فرهبتم كتاب الله يريدونه وقد تركوا سنة من أنزل عليه؟ أخبرونى، متى كنتم محقين؟ أحين تقاتلون من حين أمسكتم؟
فقتلاكم الذين لا تشكون فى فضلهم عليكم إذا فى النار؟ والله لكنتم خدعتم فانخدعتم يا أصحاب الجباه السود، كنا نظن صلاتكم زهادة فى الدنيا، وشوقا