فقال عمرو: لا يأتى هذا العنق بخير، وكان واصل العنق، «١» مضطرب الخلق، فلما اجتمع عمرو معه وناظره واصل فى المنزلة بين المنزلتين «٢» لزمت عمرو الحجة، فترك مذهبه، وكان يذهب الى ان الفاسق منافق على قول الحسن، ورأى عمرو من غزارة علم واصل ونفاذه فى وجوه المعرفة ما هاله فقال: أشهد ان الفراسة باطل، والزكن خطأ «٣» وكان مع كماله واجتماع خصال الفضل فيه قبيح اللثغة، «٤» لم تسمع الراء من أحد أفحش مخرجا منه من فيه، وهو شىء لا يتصور فى كتاب، فما زال يروض نفسه حتى أخرج الراء من كلامه، فقال الفضل ابن عيسى الرقاشى:
ان كان قد أعد لكل ما يمتحن فيه على جهة التخلص فى غير استكراه، والتوقى من غير تكلف انه لعجيب، وخطب هو وشبيب بن شيبة، والفضل بن عيسى الرقاشى عند عبد الله بن عمر بن عبد العزيز، فأتى الفضل ابن عيسى، وشبيب بن شيبة بكل عجيب من اللفظ، وبديع من المعنى، ثم خطب واصل فانتظم معانيهما فى ألفاظ يسيرة، ثم افتن فيما لم يخطر لهما على بال، ولم يسنح «٥» لهما فى وهم فقال شبيب: أيها الامير! لو قطع كلامه على أول ابتدائه لقيل: هذا ممن نقل اللحن، ويصيب المفصل، وأما الآن فهل سمعت للشيخ وحده؟ فأسنى لهما الجائزة فقبلاها، وردها واصل، فتوهم عبد الله ان يسويه من التفضيل فى الجائزة على قدر فضله فى البراعة، فأضعفها له، فلم يقبلها، وقال: اجعل جائزتك نبش القبص «٦» لاهل هذا البلد، فزاد عجبه من تركه الراء فى الحفر، وتناوله النبش ليتخلص منها. وكان مرة فى بعض الثغور، ففاجأهم