وكنا يوما نشرب بين يديه، فرأيت من ذكائه وسرعة خاطره ما جعلت أعجب منه، وذلك أنه سأل عن شعر فقال أحمد بن يحيى هو لدعبل فقلت أنا هو لمحمد بن الحجاج البغداذى فلاحانى. فقلت له:
إن أقرب من أنشدناه لمحمد أبوك عن أبى هفان، وكان ذكره فى كتبه فأمسك وضحك الراضى، وقال فأنشدنيه، فأنشدته وهو مقبل على يسمع:
زمنى بما طاب سقيت زمانا ... ما كنت إلّا روضة وجنانا
أصلحتنى بالجود بل أفسدتنى ... وتركتنى أتسخّط الإحسانا
من جاد قبلك كان جودك فوقه ... لم أرض قبلك كائنا من كانا
وليس الشعر هكذا، إنما قال:
من جاء بعدك كان جودك فوقه ... لم أرض بعدك كائنا من كانا
فلم أستحسن أن أنشده بعدك فى أول البيت وبعدك فى آخره فأنشدته كما ذكرت، فقال: محمد بن يحيى الصولى يحيل الشعر إذا أنشده، ما كذا قيل، فقال له فكيف الشعر فأنشده:
من جاد بعدك كان جودك فوقه ... لم أرض بعدك كائنا من كانا
ففطن أنى قلبت اللفظ عمدا لما فيه، وأن هذا مما لم يفطن له أحمد فقال له: تلك رواية الصولى، وهذه روايتك أنت فقال كذا والله يا سيدى قال الشاعر. وكذا أنشدنى أبى. فقال له: قد علمت كما أنشدك أبوك ايضا لنفسه! إن كنتم قريش فمه! فسكت وانقطع الكلام.