فقلت له وهذا ايضا عجب، يتحدث الناس بأن سيدنا مع جلالة علمه وعلو نعمته عمل خزانة كتب كما عمل متقدمو الخلفاء، طلب فيها شعر هذا الشاعر المشهور فلم يوجد! قال فما الحيلة وقد شغلنا بغيرها عنها؟ قلت كتب عبيدك لك فتبتدىء فى عمل الأشعار من الخزانة، تبدأ بمضر ثم ربيعة ثم اليمن، فما لم يكن فيها حمله عبيدك من كتبهم، وما كان سماعا لعبيدك أو شيئا لا يعتاضون منه، نسخه وراقوك الذين تجرى عليهم.
وجلده مجلد والخزانة فسكت كالمفكر. فقلت له إن الذى قلته ليس لشىء أجتلبه إنما هو حيف على كتبى، ولكنى آنف أن يتحدث الناس بشىء يفعله سيدنا لا يكون فى نهاية الجلالة. فقال ويحك فاذا جاء ما يشغل كيف نصنع؟ قلت يجعل سيدنا هذه الخزانة للأميرين، ويقتصر على ما يريد النظر فيه، قال أما هذا فنعم فأمر بإخراج الكتب اليه يوما يوما، وأجلسنا فميزناها وقسمها بين يديه، بين ابنيه واقتصر على ما أراد ووهب لنا الباقى فاقتسمناه. وكان أكثره ما يباع وزنا.
[تفسير الابيات]
النشر: أن يجرب البعير فيبرأ غير برء تام، وتبقى بقية من جربه أى قليل فينبت وبره عليه فيكون ظاهره برء وباطنه سقم، يريد الشاعر وكذلك نحن ظاهرنا جميل وصلح، وباطننا شر وحقد ونحوه:
وقد ينبت المرعى على دمن الثّرى ... وتبقى حزارات النّفوس كماهيا
وهو النشر بفتح الشين، وإنما يسكنها الشاعر لضرورة الشعر.