للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال بعضُ أئمَّةِ البغدادِيِّين (١): العدالَةُ عبارةٌ عن استقامَةِ السِّيرةِ والدِّينِ، ويرجعُ حاصِلُها إلى هيئةٍ راسخةٍ في النَّفسِ تَحمِلُ على مُلازمَةِ التَّقوى والمُروءَةِ جميعًا، قال: وقَدْ شُرِطَ في العَدَالَةِ التَّوَقِّي عن بَعْضِ المُبَاحَاتِ القَادِحةُ في المُرُوءَةِ: نَحْوَ الْأَكْلِ في / الطُّرقِ، وَالبَوْلِ في الشَّارِعِ، وَصُحْبَةِ الأَرَاذِلِ، وَإِفْرَاطِ المِزَاحِ.

وقال القَاضِي أبُو بكرٍ ابن الطَّيِّبِ (٢) في صِفاتِ العدْلِ: تَجنُّبُ ما يُمرِضُ القُلُوبَ، وَيُورثُ التُّهمَ فيمَا جلَّ وَقلَّ.

قال: ومِنْ علمائِنَا مَنْ صَارَ إلى أنَّ عدمَ التَّوَقِّي عن المُبَاحَاتِ القَادحةِ في المُروءَةِ: كالجُلوسِ على الطُّرقاتِ، والأكلِ في الأسواقِ، ومُصاحبةِ الأرذالِ، / والإكثارِ مِنَ المُداعبةِ، يقدحُ في العَدالةِ، قال: ولا أقطعُ بذَلِك، وعِندِي أنَّ ذلِك مفوَّضٌ إلى اجتهادِ القاضِي، فرُبَّ شخصٍ في نهايةٍ مِنَ التَّديُّنِ وتجنُّبِ التَّكلُّفِ، يصدرُ ذلِك مِنه فَلا يُتَّهمُ، ورُبَّ شخصٍ يُؤذِنُ ذلِك مِنهُ بِقلَّةِ المُبَالاةِ، وهذا يختلفُ باختلافِ الأوقاتِ والأشخاصِ والأحوَالِ، وهو مفوَّضٌ إلى الاجتهادِ (٣).


(١) هو الإمام أبو حامد الغزالي، وقد ذكره في «المستصفى» (١/ ٢٩٣ - ٢٩٤).
(٢) ابن الباقلاني محمد بْن الطّيب بْن محمد بْن جعفر بْن القاسم، القاضي أبو بكر البصري، صاحب التّصانيف في علم الكلام قال الذهبي: وكان ثقة إماما بارعا، صنف في الرد على الرافضة، والمعتزلة، والخوارج والجهمية والكرامية، وانتصر لطريقة أبي الحسن الأشعري، وقد يخالفه في مضائق، فإنه من نظرائه، وقد أخذ علم النظر عن أصحابه. وقد ذكره القاضي عياض في «طبقات المالكية»، فقال: هو الملقب بسيف السنة، ولسان الأمة، المتكلم على لسان أهل الحديث وطريق أبي الحسن، وإليه انتهت رئاسة المالكية في وقته (ت: ٤٠٣ هـ). ينظر: «تاريخ بغداد» (٣/ ٣٦٤)، و «تاريخ الإسلام» (٩/ ٦٣)، «سير أعلام النبلاء» (١٧/ ١٩٠ - ١٩١)
(٣) ينظر: «التلخيص في أصول الفقه» للإمام الجويني (٢/ ٣٥٣ - ٣٥٣).

<<  <   >  >>