للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اليَقِينَ، وما بينَهُ وبين قولِها لو قالَتْ: إذا ضُرِبَ المِزْهَرُ نُحِرْنَ، وإنْ كانتْ المعاني في هذا كلِّه واحدةٌ، والمقاصِدَ مُتَّفِقَةٌ، ولكنْ للاستعارةِ (١) فضلُ بيانٍ وإبلاغٍ، وحسنُ طلاوَةٍ وإبداعٍ، وجودةُ اختصارٍ في بعضِ المواضِعِ وإيجازٍ، كما وردَ في قولِ الخامسةِ: «إنْ دَخَلَ فَهِدَ، وإنْ خَرَجَ أَسِدَ»؛ فإنَّها استعارَتْ له في كلِّ واحدةٍ من الحالتَينِ خُلُقَ واحدٍ منْ هذين الحيوانَينِ، فجاءَ كلامُها (٢) على غايةٍ منَ الإيجازِ والاختصارِ، ونهايةٍ منَ المُبالغةِ والبيانِ؛ فإنَّ مثالَ قولِها: «فَهِدَ»، و «أَسِدَ»: إذا دخلَ تغافَلَ / وتناوَمَ، وإذا خرجَ صالَ وشَجُعَ. وليس يقتضِي هذا أنَّه أبدًا في دخولِه وخروجِه بهذه الأوصافِ، فلما استعارَتْ له خُلُقَيْ هذين السَّبُعَينِ في (الحالتَين اللازِمتين له، المُختَصتَينِ) (٣) بوصفِهِما، أعربَتْ بذلك عنْ تخلُّقِه بهما، والتزامِهِ لوصفَيْهما، وعبَّرتِ عنْ جميعِ ذلك كلِّه بكلمةٍ كلمةٍ كلِّ واحدةٍ من ثلاثةِ حروفٍ، حَسَنةِ التَّركيبِ، غير عَسِيرةٍ، مع جمالِهما في اللفظِ، ومناسبتِهما في الوزنِ، وسهولتهِما في النُّطقِ، ثمَّ جاءتْ بإشارةٍ بديعةٍ عنْ / كرمِهِ وكثرةِ جودِهِ، وبذلِ ما بِيَدِهِ، أو للأَخْذِ بالحزمِ لجميعِ أُمورِه، بقولِها: / «وَلَا يَرْفَعُ اليومَ لِغَدٍ».

فإنَّ هذا نوعٌ من الإشارةِ، وضربٌ منَ الكنايةِ، وهو عندي أَدْخَلُ في بابِ التَتْبيعِ والإرْدافِ، وكلُّه من بابِ الكناياتِ والإشاراتِ، وهو التَّعبيرُ عنْ الشَّيءِ / بأحدِ توابِعهِ، كما سنُبيَّنُه.

وأما كنايَةُ السَّادسةِ بقولها: «لَا يُولِجُ الكَفَّ» - على المذهبِ الصَّحيحِ- فمِنَ الكناياتِ الحسنةِ، كما قد فسَّرناها / قبلُ في شرحِ كلامِها.


(١) في (ت)، و (ك): «الاستعارة».
(٢) في (ت، و (ك): «كلاهما».
(٣) في المطبوع: «الحالين اللازمين لهما المختصين».

<<  <   >  >>