للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وذُكرَ في هذا البابِ قولُ بعضِهم: النَّارُ في الفَتِيلَةِ، كالتَّعَادِي لِلقَبِيلَةِ (١).

وقولُ بعضِهم: «الصَّبُّ» مع «الضَّبِّ» (٢)، / و «سَجْفٌ»، و «سَخْفٌ»، و «صَحَاصِحُ»، و «ضَحَاضِحُ»، وشِبْهُ هذا، فلم يَحسنْ هذا، ولم يقلْ شيئًا لأجلِ صورةِ الحروفِ؛ إذْ لَا حَظَّ لهذا كما قُلناهُ في / الفَصاحةِ، ولَا حظَّ له منَ التَّجنيسِ، وإنَّما حَسُنَ لوزنِ الكلمتينِ، واتِّفاقِ أواخرِها، وقُربِ مخارِجِ أوائلِها وأواسِطِها، فهذِه هي أنواعُ / التَّجنيسِ.

إلَّا أنَّ قُدامةَ بنَ جعفرٍ كان يُسمِّي اتِّفاقَ صِيغتَي اللفظةِ باختلافِ المعنى الَّذي من جنسِ بيتِ الأَفوهِ: «بالإطْباقِ» (٣)، والنَّاسُ كلهم على خلافِهِ، وقد ردَّ قولَه هذا: الأخفشُ، وأبو القاسمِ الآمديُّ (٤) وغيرُهما، وحَكَوا أنَّ مذهبَ الخليلِ والأصمعيِّ خِلافَهُ.

ثمَّ أتتْ هذِه المرأةُ في كلامِها بنوعٍ خامسٍ من البديعِ، وهو / المُسمَّى «بالمُطابقةِ» عند الجُمهورِ، وهو مُقابلةُ الشَّيءِ بِضدِّه؛ فقابلتْ الوعرَ بالسَّهلِ، والغَثَّ بالسَّمينِ، في الفِقرتين الأخيرَتَين، وهو مِمَّا يَحْسُنُ الكلامُ بمقابلتِهِ، ويُروقُ بمناسبتِهِ، لا خلافَ بين أربابِ النَّقدِ في ذلك، وإنَّما اختلفُوا في تلقِيبِهِ، فكانَ قُدامةُ يُخالِفُ فيه أيضًا، ويُسمِّي هذا: «المُتَكَافِئ» (٥)، وخالفَهُ في هذا الجميعُ، ولا يكونُ هذا النَّوعُ عِنده متكافِئًا إلَّا إذا كانتْ الكلمةُ وضِدُّها


(١) «مجمع الأمثال» (٢/ ٢٩٠).
(٢) كقولهم: وجدت حرًّا يشبه قلب الصب، ويذيب دماغ الضب. ينظر: «الإعجاز والإيجاز» (ص: ١٠٧).
(٣) «نقد الشعر» لقدامة (ص: ٦٠).
(٤) «الموازنة بين شعر أبي تمام والبحتري» لأبي القاسم الآمدي (١/ ٢٩١).
(٥) «نقد الشعر» (ص: ٥٢).

<<  <   >  >>