ومنْ هذا البابِ قولُ أمِّ زرعٍ: «أَشْرَبُ فَأَتَقَمَّحُ، وَآَكُلُ فَأَتَمَنَّحُ»، / فجاءتْ بالأكلِ والشُّربِ لِتقارُبِهِما وتناسُبِهِما.
وكذلِك قولُها: «تُشْبِعُهُ، وَ «تَرْوِيهِ».
وقولُها: «مِلْءُ كِسَائِهَا، / وصِفْرُ رِدَائِهَا»، فجاءتْ بالرِّداءِ والكِساءِ لِمناسبَتِهما.
وقولُ السَّادسةِ: «إنْ أَكَلَ، و «إنْ شَرِبَ».
وفي كلامِ هذِهِ المرأةِ - / أعنِي: الأُولى- مِنَ الفصاحَةِ وفُنونِ البلاغةِ نوعٌ سادِسٌ من البدِيعِ، وهو: حُسْنُ التَّفسيرِ، وغرابةُ التَّقسيمِ، وإبداعُ حملِ اللفظِ على اللفظِ، والمعنى على المعنى، في المُقابَلَةِ والتَّرتِيبِ، وذلِك في قولِها: «لَا سَهَلٌ فَيُرْتَقَى، وَلَا سَمِينٌ فَيُنْتَقَى»؛ فإنَّها فسَّرتْ ما ذكرَتْ، وبيَّنَتْ حقيقَةَ ما شبَّهَتْ، وقسَّمَتْ كلَّ قِسمٍ على حيالِهِ، وفَصَلَتْ كلَّ فصلٍ مِنْ مثالِهِ، وجاءتْ للفِقرتَينِ الأُوليَينِ بفِقرتين مُفسِّرتَين، وقابلتْ: «لَا سَهْلٌ فَيُرْتَقَى» بقولِها: «لَا سَمِينٌ فَيُنْتَقَى»، وهذا يُسمَّى: «المُقابلةَ» عندَ أهلِ النَّقدِ، لاسِيَّما على روايةٍ وقعتْ في النَّسائيِّ (١)، بتقديم «لا سَمِينٌ»، فيكونُ أوَّلُ تفسيرٍ لأوَّلِ مُفسَّرٍ، وهو قولُها: «كَلَحمِ جَمَلٍ»، والثَّاني للثَّاني، فحملَتْ اللفظَ على اللفظِ، ورَدَّتْ المقدَّمَ إلى المُقدَّمِ، والمُؤخَّرَ إلى المُؤخَّرِ، فتقابَلتْ معاني كلماتِها، وترتَّبتْ ألفاظُها.
ومثالُه قولُه تعالى: {لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} [الصافات: ٤٧]، على
ما قدَّمناه أوَّلَ هذا المجموعِ ومِثالاتِهِ بما يُغنِي / عنْ إعادتِهِ، ولا أعلمُ
(١) زاد في (ت): «في تقديم»، ولعله سبق قلم من الناسخ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute