للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومِمَّا جاء في كلامِ صواحِبِها منَ التَّشبِيهِ: قولُ الثَّالثةِ: «عَلَى مِثْلِ حَدِّ السِّنانِ المُذَلَّقِ»، فصدقَتِ التَّشبيهَ؛ لأنَّها أخبرتْ / أنَّ حالَها معه منَ الخوفِ وعدمِ / الاستقرارِ، كمَنْ هو على مِثلِ حدِّ السِّنانِ المُحدَّدِ: إمَّا أنْ تَحيدَ عنه فتهْلَكَ سقوطًا، أو تَثبُتَ فيُهلِكَهَا، فبيَّنتْ بهذا التَّشبيهِ قولَها قَبْلُ: «إنِ أَسْكُتْ أُعَلَّقْ، وإنْ أَنْطِقْ أُطَلِّقْ».

وكذلِك تشبِيهُ الأُخرى زوجَهَا بِليلِ تِهَامَةَ، وغَيثِ غَمَامَةَ، وهذا كُلُّه مِنْ تشبِيهِ الخَفِيِّ بالجَلِيِّ، والمُتوَهَّمِ بالمَحسُوسِ، وهوَ مِنَ / بابِ المُبالغةِ والغُلُوِّ.

ومِثلُ هذا قولُ أُمِّ زرعٍ: «مَضْجَعُهُ كَمَسَلِّ شَطْبَةٍ»، فهو مِنْ بابِ الغُلُوِّ، إلى سائِرِ ما عِندهُنَّ منَ التَّشبِيهاتِ، فكُلُّها حِسانٌ بيِّناتٌ، قد تقدَّمُ الكلامُ عليها في مواضِعِهَا.

وقولُ الثَّامِنةِ: «المَسُّ مَسُّ أَرْنِبٍ، والرِّيحُ رِيحُ زَرْنَبٍ» تشبِيهٌ أيضًا، ولكنْ بِغيرِ / أدَاةِ التَّشبِيهِ؛ فإنَّ التَّشبِيهَ على ضَرْبَيْنِ: بأداتِهِ: وهِي الكافُ، وكأنَّ، ومِثلُ، وشِبْهُ وأخواتُها، وبغيرِ أداةِ التَّشبيهِ، ومثلهُ قولُ أمِّ زرعٍ: «يَلْعَبَانِ مِنْ تَحْتِ خَصْرِهِا بِرُمَّانَتَيْنِ» على تأوِيلِ أنَّهما النَّهْدانِ، ومثلُهُ / قولُ الرَّابِعةِ: «والغَيْثُ

غَيْثُ غَمَامَةٍ»، فهذا تشبِيهٌ بغيرِ آلةِ التَّشبِيهِ، كقولِه تعالى: {تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [النمل: ٨٨].

وكقول امرِئ القَيْسِ (١):

سَمَوْتُ إِلَيْهَا بَعْدَ مَا نَامَ أَهْلُهَا ... سُمُوَّ حَبَابِ المَاءِ حَالًا عَلَى حَال

ثم انظر حُسنَ نظمِ كلامِها وتَطارُدِهِ، وأخذِهِ حقَّهُ مِنَ المُؤالَفَةِ والمُناسبَةِ


(١) البيت من الطويل في «ديوان امرئ القيس» (ص: ١٣٧)، وينظر: «الشعر والشعراء» (١/ ١٣٦).

<<  <   >  >>