للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفي كلامِ الأُولى نوعٌ ثالثٌ مِنَ البديعِ يُسمَّى: «التَّرْصِيعَ» (١)، وقد يُسَمَّى بـ «المُوازَنَةِ»، وبـ «التَّسْمِيطِ»، وبـ «التَّضْفِيرِ»، وبـ «التَّشِجِيعٍ»، وهو أنْ تتضمَّنَ الفِقَرُ أو بيتُ الشِّعرِ مقاطِعَ أُخرَ بقوافي مُتماثِلةٍ، غيرِ فِقَرِ السَّجعِ وقوافي الشِّعرِ اللازمَةِ، فيتوشَّحَ بها القولُ، وينفصِلَ بِها نظمُ اللفظِ، كما أتَتْ هذه بـ «جَمَلٍ» في وسطِ الفِقرَةِ الأُولى، و «جَبَلٍ» في وسطِ الفِقرةِ الأُخرى، ففصَلَتْ بذلك الكلامَ، على حدٍّ منَ المُقابلةِ، أثناءَ السَّجعينِ اللذَينِ هما: «غَثٌّ، ووَعْثٌ»، / فجاء لكلِّ فِقْرَةٍ سجعان مُتماثِلَانِ مُتقابِلانِ.

ومثلُهُ: قولُ أمِّ زرعٍ في إحدى الرِّواياتِ: «لَا تَبُثُّ حَدِيثَنَا تَبْثِيثًا، ولا تُنقِّثُ مَيرَتَنا تَنْقيثًا، وَلَا تَغُثُّ طَعَامَنَا تَغْثِيثًا»، فإنَّ التزامَ الثَّاءِ في: «تَغُثُّ، وتَبُثُّ، وتُنقِّثُ» ترصيعٌ لِمقاطِع أسْجاعِ هذِه الفِقَرِ، وقولُ الثَّامنةِ: «شَجَّكِ، أو فَلَّكِ، أو بَجَّكِ، أو جمعَ كُلًّا لكِ».

ومنه في الحديثِ قولُ عليٍّ - رضي الله عنه -: «إنَّهُ أَنْقَى لِثَوْبِكَ، وأَتْقَى لِرَبِّكَ» (٢).


(١) ينظر: «المثل السائر» (١/ ٢٧٨)، و «تحرير التحبير» (ص: ٣٠٢)، و «خزانة الأدب» لابن حجة الحموي (٢/ ٤٠٩).
(٢) إسناده ضعيف؛
أخرجه إسحاق بن راهويه- كما في المطالب العالية (١٣٣٩) -، وأحمد في «المسند» (١٣٥٥)، وفي «الزهد» (ص: ١٠٧)، وهناد في «الزهد» (٢/ ٣٧٠)، وعبد بن حميد (٩٦) - ومن طريقه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (٤٢/ ٤٨٥) - وعبد الله بن أحمد في «زوائد المسند» (١٣٥٣)، وفي «فضائل الصحابة» (٨٧٨، ١٢١٤، ١٢١٥)، وأبو يعلى (٢٩٥)، وابن أبي حاتم في «التفسير» (٥/ ١٤٥٧)، والطبراني في «الدعاء» (٣٩٥)، والبيهقي (١٠/ ١٠٧)، من طريق المختار بن نافع التمار، عن أبي مطر قال: «خرجت من المسجد، فإذا رجل ينادي من خلفي: ارفع إزارك؛ فإنه أنقى لثوبك وأتقى لك، وخذ من رأسك إن كنت مسلما ... » فذكر حديثًا طويلًا، وذكره بعضهم مختصرًا دون موضع الشاهد.
قال البوصيري: «هذا حديث ضعيف؛ أبو مطر مجهول ولا يعرف اسمه، والمختار بن نافع ضعفوه» اهـ.
قلت: المختار بن نافع، قال البخاري، وأبو حاتم، والنسائي: منكر الحديث. وقال النسائي في موضع آخر: ليس بثقة. وقال ابن حبان: «كان يأتي بالمناكير عن المشاهير حتى يسبق إلى القلب أنه كان المتعمد لذلك». اهـ
وأبو مطر الجهني، قال أبو حاتم: «مجهول لا يعرف» اهـ
ينظر: «التاريخ الكبير» (٧/ ٣٨٦)، » التاريخ الأوسط» (٢/ ٩٣)، و «الضعفاء الصغير» للبخاري (ص: ١٢٨)، و «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (٨/ ٣١١)، و (٩/ ٤٤٥)، و «المجروحين» لابن حبان (٣/ ١٠)، و «ميزان الاعتدال» (٤/ ٨٠)، و (٤/ ٥٧٤)، و «إتحاف الخيرة المهرة» (٣/ ٢٨٩).
وقد صح هذا من قول عمر - رضي الله عنه -؛ أخرجه البخاري (٣٧٠٠).

<<  <   >  >>