وبالجُملةِ، فكلامُ هؤلاءِ النِّسوةِ مِنَ الكلامِ الفصيحِ الألفاظِ، الصَّحيحِ الأغراضِ، / البليغِ العِبارةِ، البديعِ الكنايةِ والإشارةِ، الرَّفِيعِ التَّشبيهِ والاستعارَةِ، وبعضُهُنَّ أبلغُ قولًا، وأعلى يدًا، وأكثرُ طولًا، وأمكنُ قاعِدةً وأصلًا، وكلامُ بعضِهِنَّ أكثرُ رونقًا ودِيبَاجَةً، وأرَقُّ حاشِيةً وأحلى مَجَاجَةً، وبعضُهُنَّ أصدقُ في الفصاحَةِ لهجَةً، وأوضحُ في البيانِ محجَّةً، وأبلغُ في البلاغةِ والإيجازِ حُجَّةً.
فأنتَ إذا تأمَّلتَ كلامَ أمِّ زرعٍ وجدتَهُ- مع كثرةِ فُصُولِهِ، وقِلَّةِ فُضُولِهِ- مُختارَ الكلماتِ، واضِحَ السِّماتِ، بَيِّنَ القَسِمَاتِ، قد قَدَّرَتْ ألفاظَهُ قيسَ معانِيهِ، وقرَّرَتْ قواعِدَهُ، وشيَّدتْ / مبانِيهِ، وجعلتْ لبعضِهِ في البلاغةِ موضِعًا، وأودعتْهُ مِنَ البدِيعِ بِدِعًا.
وإذا لَمَحْتَ كلامَ التَّاسِعةِ صاحِبةِ العِمادِ والنِّجادِ والرَّمادِ، ألفيتَها لِأَفانِينِ البلاغةِ جامِعةً، ولِعلمِ البيانِ رافِعةً، وبِعصا الإيجازِ والقصدِ قارِعةً.
واعتبِرْ كلامَ الأُولى؛ فإنَّه مع صدقِ تشبِيهِهِ، وصقالَةِ وجُوهِهِ، قد جمعَ مِنْ حسنِ الكلامِ أنواعًا، وكشفَ عَنْ مُحيَّا البلاغَةِ قِناعًا، وقرَنَ بين جزالَةِ اللفظِ وحلاوةِ البديعِ، وضمَّ تفارِيقَ المُناسبَةِ والمُقابَلةِ، والمُطابقةِ والمُجانسةِ، والتَّرتيبِ والتَّرصيعِ؛ فأمَّا صدقُ تشبيهِهَا، فعلى ما شرحْناهُ قبلُ.
والتَّشبيهُ أحدُ أبوابِ (١) البلاغةِ، وأبدعُ أفانِينِ / هذِه الصِّناعةِ، وهو موضوعٌ للجلاءِ والكشفِ، والمُبالغةِ في البيانِ والوصفِ، والعبارةِ عنْ الخفِيِّ بالجلِيِّ، والمُتوهَّمِ بالمحسُوسِ، والحقيرِ بالخطِيرِ، والشَّيءِ بما هو أعظمُ منه
(١) في المطبوع: «أنواع».
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute