للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَلا لَغْوٌ وِلا تأْثِيمَ فِيها ... وَمَا فاهُوا بِهِ لَهُمُ (١) مُقِيمُ

* * *

بَيَانٌ:

إنْ قلتَ: ذكرتَ أنَّ أعربَ الوجُوهِ عندك الرَّفعُ في / الحرفين، وأصل «لا» العاملةِ نصبُ النَّكرةِ المنفِيَّةِ المفردةِ التَّاليةِ لها، وقصارَاكَ إنْ عطفتَ النَّكراتِ عليها مع تكرارِها أنْ تجوِّزَ الرفعَ تجويزَ النَّصبِ، فأمَّا ترجيحُهُ عليه فدعوى، وكيف وقُدوةُ الجماعةِ يقولُ: النَّصبُ أجودُ وأكثرُ منَ الرَّفعِ (٢)؟

فاعلمْ- وفَّقكَ اللهُ- أنِّي إذا بيَّنتُ لك قولي ورفعتُ منارَهُ، رأيتُ ترجِيحَه وإيثارَهُ؛ وذَاك أنِّي لمْ أرَ ذلِك من جِهَةِ مذهبِ النُّحاةِ وتقويمِ الألفاظ، ولكنْ مِن جِهَةِ المعنى وتصحيحِ الأغراضِ، وترتيبِ الكلامِ ونظامِهِ، وردِّ أعجازِهِ لصُدُورِهِ وتفصيلِ أقسامِهِ؛ وذلك أنَّ هذِه المرأةَ أوْدعَتْ أوَّلَ كلامِها تشبيهَ / شيئين مِنْ زوجِها بشيئين كما تقدَّمَ، فشبَّهتْ باللَّحمِ الغَثِّ: بُخلَه وقِلَّةَ عُرْفِهِ، وبالجبلِ الوعْثِ: شراسَةَ خُلُقِهَ وشموخَ أنفِهِ. فلمَّا أتمَّتْ كلامَها، جعلتْ تفسِّرُ- مُستأنِفَةً- كلَّ واحدةٍ مِنَ الجملتين، وتُفصِّلُ- ناعتةً- كلَّ قسمٍ من التَّشبيهين، فَفَصَّلتْ الكلامَ وقسَّمتْهُ، وأبانتْ الوجهَ الذي به علَّقتْ التَّشبيهَ وشرحَتْه، فقالَتْ: لا الجبلُ سهلٌ، فلا يُشقُّ ارتقاؤه لِأخذِ اللَّحمِ الغَثِّ المزهودِ فيه؛ لأنَّ الشَّيءَ المزهودَ / فيه ربَّما أُخِذَ إذا جاء عفوًا، وتُنُوِّلَ إذا سَهُلَ مأخذُهُ،


(١) كذا في: (ت)، (ع)، وهو الموافق لما في الديوان، وسقطت من: (ك)، وفي المطبوع: «أبدًا»، والبيت من الوافر، وهو - على ما في الديوان- ملفق هنا من بيتين، ينظر: «ديوان أمية بن أبي الصلت» (ص: ١٢١، ١٢٢)، و «خزانة الأدب» (٤/ ٤٩٤).
(٢) «الكتاب» لسيبويه (٢/ ٣٠٤).

<<  <   >  >>