للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم قالَتْ: ولا اللَّحمُ سمينٌ؛ فيُتحمَّلُ في طلبِهِ واقتفائهِ (١) مشقَّةُ / صعودِ الجبلِ، ومعاناةُ وُعورتِهِ؛ إذ الشيءُ المرغوبُ فيه قد / تُتَحمَّلُ المشاقُّ دونَه، فإذا لم يكُنْ هذَا ولا ذاك، واجتمعَ قِلَّةُ الحرصِ عليه، ومشقَّةُ الوصولِ إليهِ، لم تَطْمحْ إليه هِمَّةُ طالبٍ، ولا امتدَّتْ نحوه أمنيَّةُ راغبٍ، فكذلك زوجُهَا قد أُيِسَ مِنْ خيرِهِ / لهذين الوجهين.

فقطعُ الكلامِ عند تمامِ التَّشبيهِ والتَّمثيلِ، وابتداؤُهُ بحكمِ التَّفسيرِ والتَّفصيلِ، ألْيقُ بنظمِ الكلام، وأحسنُ مِنْ نفْيِ التَّبرئةِ وسردِ الصِّفةِ في نمط البيان، وأجلى في ردِّ الأعجازِ على صدورِ هذه الأقسامِ.

وتأمَّلْ كتابَ اللهِ العزيزِ، فإنَّ المنفيَّاتِ حيثُ تردَّدَتْ فيه معطوفةً لشيءٍ واحدٍ، جاءتْ بالوجوهِ الثَّلاثةِ، كقوله تعالى: {وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ (٣٢) لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ} [الواقعة: ٣٢ - ٣٣]، و {كَأْسًا لَا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ} [الطور: ٢٣]، و {يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ} [البقرة: ٢٥٤]، قُرِئ بالوجَهين الرَّفعُ والنَّصبُ (٢)، و {لَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} [البقرة: ١٩٧].

وحيث وردَتْ المنفيَّاتُ فيه لِصفاتِ أشياءٍ أو لشَيئينِ يختَصُّ كلُّ واحدٍ منها بوصفٍ، وقُصِدَ كلُّ شيءٍ منها بنفْيِ عيبٍ: ابتُدِأ الكلامُ حينئذٍ مستأنفًا، فقال: {بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (٤٦) لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} [الصافات: ٤٦ - ٤٧].


(١) في المطبوع: «وانقائه».
(٢) قرأ ابن كثير وأبو عمرو بالفتح في بيع وخلة وشفاعة ولا تنوين والباقون بالرفع والتنوين. ينظر: «الكنز في القراءات العشر» (١/ ٨٣)، «شرح طيبة النشر» لابن الجزري (ص: ١٧٣)، و «المكرر في ما تواتر من القراءات السبع وتحرر»
(ص: ٦٠).

<<  <   >  >>