للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كانتْ زائِدةً ساقِطةً من الفعلِ، وأنشد أبو عُبيدٍ لبعضِهم في ذمِّه (١):

أمّا المُزاحةُ والمِراءُ فدَعْهما ... خُلُقان لَا أرضاهما لصديق

إِنِّي بلَوْتُهُما فلَمْ أحْمَدْهُما ... لِمُجَاوِرٍ جَارًا وَلَا لِرَفِيق

وأنشدْتُ أنا في هذا المعنى مِمَّا قلتُه قديمًا، وهو مِنَ المُتشابِهِ القَوافي:

إذَا مَا بَسَطْتَ بِساطَ انْبِسَاطٍ ... فمِنْهُ فَدَيْتُك فَاطْوِ المُزَاحَا

فَإنَّ المُزَاحَ كَمَا قَدْ رَآَهُ ... ألُو العِلمِ قَبْلُ عَنْ الحِلْمِ زَاحَا

وفِيهِ مِنَ الفِقْهِ: أنَّ المُشبَّهَ بالشَّيءِ لا يَنزِلُ منزِلَتَهُ في كلِّ شيءٍ، والنَّبيُّ

/ - صلى الله عليه وسلم - قد شبَّهَ نفسَه النَّفِيسةَ في صُحبةِ عائشةَ - رضي الله عنها - بأبي زرعٍ، ومِنْ فِعلِ أبي زرعٍ معها الطَّلاقُ، فلم يكُنْ لازِمًا، ولو أنَّ رجلًا ذكرَ امرأةً له قد طلَّقَها فوصفَها لِزوجةٍ أخرى له بأوصافٍ كثيرةٍ جيِّدةٍ أو ردِيئةٍ، ثمَّ ذكرَ أنَّه طلَّقها، ثمَّ قال للأُخرى: وأنتِ مِثلُها، ولم يَنْوِ مثلَها في الطَّلاقِ، لم يَلزمْهُ الطَّلاقُ، وحُمِلَ على مُرادِهِ منَ التَّشبِيهِ لها فيما تقدَّمَ ذِكرُهُ، ولم يَلزمْهُ طلاقٌ حتى يَنوِي: مثلَها في الطَّلاقِ، أو يكونَ لم يذكرْ شيئًا من الأوَّلِ (٢) سِوى الطَّلاقِ، مثلَ أنْ يقولَ: فُلانةٌ / طالِقٌ، أو قد طلَّقْتُها، أو فُلانٌ طلَّقَ زوجَهُ فُلانَةً، ثمَّ يقولُ لزوجةٍ له أخرى: وأنتِ مِثلُها، فهذا يَلزمُهُ الطَّلاقُ- نواهُ أو لم يَنوِهِ- إذا قامتْ عليه / باللفظِ بيِّنةٌ؛ إذ لا احتِمالَ لقولِه سِوى إلزامِ الطَّلاقِ.


(١) البيتان من الطويل وهما لمسعر بن كدام قالهما لابنه، ورُوي قبلهما:
إني منحتك يا كدام نصيحتي ... فاسمع لقول أبٍ عليك شفيق
ينظر: «محاضرات الأدباء» (١/ ٣٤٥)، و «ربيع الأبرار» (٥/ ١١٥)
(٢) في المطبوع: «الأولى»، وهي مضبوطة في النسخ.

<<  <   >  >>