وهذه جُملٌ أنبأتْ بِوَجازَةِ ألفاظِها، وأعربتْ بلطائِفِ إشارَتِها، عنْ معانٍ كثيرةٍ وفصولٍ طويلةٍ، فهي كما قيل: البلاغةُ لَمْحَةٌ دَالَّةٌ.
وفي قولِ الثَّامنةِ- سِوى ما ذكرْنا مِنَ المُناسبةِ والالتزامِ-: صحَّةُ المُقابلةِ، / وهي منْ أنواعِ البلاغةِ، وذلك في قولِها:«وأَغْلِبُهُ والنَّاسَ يَغْلِبُ»، فقابلتْ غَلبَتَها إيَّاه بغلَبَتِه للنَّاسِ، وهي مُطابَقَةٌ مِنْ جِهةِ المعنى.
وفي هذه الفِقرةِ نفسِها نوعٌ آخرُ منَ البديعِ يُسمَّى:«التَتْمِيمَ»، فإنَّها لو اقتصرتْ على قولِها:«وأَغْلِبَهُ» لما كان مدحًا، ولَتُخُيِّلَ أنَّه جبانٌ ضعيفٌ، فلما قالَتْ: / «والنَّاسَ يَغْلِبُ» دلَّ على أنَّ غَلَبَها إيَّاهُ من حُسنِ عِشرتِهِ، وكرمِ سَجاياهُ، فتمَّمَتْ بهذه الكلمةِ قصدَها، وأبانتْ جُهْدَ ما عندها. /