للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومن بابِ الوحيِ والإشارةِ عندِي على القولِ الأوَّلِ: قولُهُ تعالى: {قُضِيَ الْأَمْرُ} [يوسف: ٤١].

وقولُه: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ} [المنافقون: ٤].

وقولُه: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: ٢٢].

وقولُه: {فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} [طه: ٧٨].

وهذه جُملٌ أنبأتْ بِوَجازَةِ ألفاظِها، وأعربتْ بلطائِفِ إشارَتِها، عنْ معانٍ كثيرةٍ وفصولٍ طويلةٍ، فهي كما قيل: البلاغةُ لَمْحَةٌ دَالَّةٌ.

وفي قولِ الثَّامنةِ- سِوى ما ذكرْنا مِنَ المُناسبةِ والالتزامِ-: صحَّةُ المُقابلةِ، / وهي منْ أنواعِ البلاغةِ، وذلك في قولِها: «وأَغْلِبُهُ والنَّاسَ يَغْلِبُ»، فقابلتْ غَلبَتَها إيَّاه بغلَبَتِه للنَّاسِ، وهي مُطابَقَةٌ مِنْ جِهةِ المعنى.

وفي هذه الفِقرةِ نفسِها نوعٌ آخرُ منَ البديعِ يُسمَّى: «التَتْمِيمَ»، فإنَّها لو اقتصرتْ على قولِها: «وأَغْلِبَهُ» لما كان مدحًا، ولَتُخُيِّلَ أنَّه جبانٌ ضعيفٌ، فلما قالَتْ: / «والنَّاسَ يَغْلِبُ» دلَّ على أنَّ غَلَبَها إيَّاهُ من حُسنِ عِشرتِهِ، وكرمِ سَجاياهُ، فتمَّمَتْ بهذه الكلمةِ قصدَها، وأبانتْ جُهْدَ ما عندها. /

ومثلُه قولُه تعالى: {كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا} [الأنبياء: ٦٩].

وقولُه: {تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} [طه: ٢٢].

ومثلُه قولُ طَرَفَةَ (١):

فَسَقَى بلادَكِ غَيْرَ مُفْسِدِها ... صَوْبُ الرَّبِيع وَدِيْمَةٌ تَهْمِي


(١) البيت من الكامل «ديوان طرفة بن العبد» (ص: ٧٩).

<<  <   >  >>