للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكذلك قولُها: «وإذَا هَجَعَ الْتَفَّ» منْ هذا البابِ، وهو داخِلٌ في بابِ التَتْبيعِ والإرْدَافِ؛ لأنَّها عبَّرتْ بقولِها: «التَفَّ» واكتفَتْ به عنْ الإعراضِ عنها، وقِلَّةِ الاشتغالِ بها، وذكرنا هُنا ما في كلامِها / مِنَ مُناسبةٍ ومُلاءمَةٍ وطِباقٍ والتزامٍ ومُضارَعَةٍ، كما ذكرْنِا (ما) (١) في كلامِ السَّابعةِ من ترصيعٍ والتزامٍ، مع ما فيه من حُسنِ التَّقسيمِ، وبَديعِ الوحيِ والإشارةِ، بقولِها: «كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَاءٌ»، فهذا مِنْ لطيفِ الوحيِ والإشارةِ على مذهبِ قُدامَةَ بنِ جَعفرٍ؛ وذلك أنَّه انطوى تحت هذه اللفظةِ كلامٌ كثيرٌ، واشتملتْ هذه الكلِمةُ على شرحٍ طويلٍ، كقولِ امرِئ القيسِ (٢):

.. يُعْطِيكَ قبلَ سُؤالِهِ ... أفَانِينَ جَرْيٍ ............

فتَحْتَ قولِه: «أفانين» جُملةٌ كثيرةٌ، وأمَّا على ما حكاهُ الحاتِمِيُّ (٣) عنْ غيرِه: فإنَّ الوحيَ والإشارةَ أرقُّ وجوهِ الاستعارةِ، كقولِه (٤): /

جَعَلْنَ السَّيفَ بَيْنَ الجِيدِ مِنْهُ ... وَبَيْنَ سَوَادِ لِحْيَتِهِ عِذَارَا


(١) ليست في (ت)، و (ع).
(٢) البيت من الطويل في «ديوان امرئ القيس» (ص: ١٦٠)، وتمامه:
على هَيكَلٍ يُعْطِيكَ قبلَ سُؤالِهِ ** أفَانِينَ جَرْيٍ غَيرِ كَزٍّ وَلا وَانِ
(٣) مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن المُظَفَّر، أَبُو عَلِيّ البغدادي اللُّغَوِي الكاتب، المعروف بالحاتمي، أحد الْأعلام والمشاهير. أخذ اللغة عن أبي عمر الزاهد. رَوَى عَنْهُ: أَبُو القاسم التنوخي، وغيره. وله «الرسالة الحاتمية» التي شرح فيها ما جرى بينه وبين المتنّبي من إظهار سرقاته، وإبانة عيوبه في شعره، وهي رسالة تدل عَلَى تبحره. (ت: ٣٨٨ هـ). ينظر: «تاريخ بغداد» (٢/ ٦٢٠)، و «وفيات الأعيان» (٤/ ٣٦٢)، و «تاريخ الإسلام» (٨/ ٦٣٩).
(٤) البيت من الوافر، ووقع في روايته: «جعلنا»، ينظر: «المنصف للسارق والمسروق منه» (ص: ١٥٦).

<<  <   >  >>