وأيضًا فإنَّه أخبرَ عن قومٍ من أهلِ الجاهليَّةِ؛ اللهُ أعلمُ هلْ كانوا على ديانةٍ أم لا؟ فلمْ يَكُنْ فيهِم- ولو عُرِفوا، إنْ كانُوا على الجاهِليَّة- غِيبةٌ.
وأمَّا متى كان المَقُولُ له معروفًا عند القائلِ أو السَّامعِ فهي غِيبةٌ، وكذلِك لو لمْ يَعرِفاهُ ولكنْ بلغَ أحدًا منَ النَّاسِ: أنَّ فلانًا الـ (كذا) أَتى دناءَةَ كذا، أو تَخَلَّقَ منَ القَبيحِ بكذَا، فحدَّثَ به مَنْ لا يعرِفُ المُسمَّى واستمَعَ الآخرُ إليه لكَانَا مُغتابَيْن؛ لأنَّ ذلك المسمَّى لو بلغهُ ذلك أو سمِعَهُ لتأذَّى به، إلَّا أنْ يكونَ القائلُ يعرِفُهُ ولكنْ لمْ يُفصِحْ به وذَكَرَ / عَيْبَهُ لضرورةِ التَّحذيرِ أو الوَعْظِ كما تقدَّمَ.
وقولُ شيخِنَا أبي عبدِ اللهِ:«وإنَّما حكَى عن نساءٍ مجهولاتٍ غيرِ حاضراتٍ يُنكرُ عليهِنَّ». غيرُ سديدٍ عندي؛ فإنَّ الحُجَّةَ إنَّما هي في حكايةِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عنهُنَّ، أوْ الحكايةِ لهُ عنهُنَّ ما حُكِي، ولو حَكى رجلٌ عن غائبةٍ أنَّها قالَتْ في زوجِها كذا، ونبَزَتْهُ بكذا، لكانَ غِيبةً منَ الرَّاوي والسَّامعِ له، وإنَّما الحُجَّةُ مِنْ هذا الحديثِ حكايَتُهُ - صلى الله عليه وسلم - عن / مجهولاتٍ، والمَقولُ فيهم مجهولون عند جميعِ السَّامعين، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
تَنْبِيهٌ:
كنتُ نَوَيتُ أن أذكرِ ما في كلامِ كلِّ واحدةٍ من هؤلاءِ النِّسوةِ من أبوابِ الفصاحةِ، وأُنبِّهُ على ما فيه من فنونِ البلاغةِ، وأُبَيِّنُ ما اشتملَ عليه من أبوابِ البديعِ على مذهبِ أهلِ هذه الصِّناعةِ؛ فإنَّ كلامَ هؤلاءِ النِّسوةِ من الكلامِ العالِي الفصيحِ، الجامعِ للَّفظِ المختارِ والنَّظمِ المتناسِبِ المليحِ، والمعنى الجَيِّدِ / البليغِ الصَّحيحِ، لكنِّي رأيتُ أنَّ إفرادَ الكلامِ عليه عند شرحِ قولِ كلِّ