للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بتعيينِهِ، أمَّا عندَ القائلِ أو السَّامعِ أو مَنْ يبلُغُهُ الخبرُ. وهذا مثل قولِك: في العالَمِ من يَفسُقُ، وفي بنِي آدمَ من / يسرِقُ، فهذا ليس بِغِيبةٍ.

وقد أشارَ إلى نحوِ هذا الحارثُ بنُ أسدٍ (المُحاسِبِيُّ) (١) - رحمه الله -، قال: وقال إبراهيمُ: «لَا تكُونُ غِيبَةً مَا لَمْ يُسَمَّ صَاحِبُهَا» (٢)، وكانَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إذا بلَغَهُ عن أحدٍ شيءٌ لمْ يُصرِّحْ بِهِ، وكانَ يقول (٣): «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يفعلُونَ كَذَا»، وهو - صلى الله عليه وسلم - وإنْ عرَفَهُم، فليسَ بمُغتَابٍ لهم؛ إذ نِيَّتُهُ غيرُ الغِيبةِ والأذى، بل التَّحذيرُ والعِظةُ، ولو فعلَ ذلِك إنسانٌ / / لمِثْلِ هذا لمْ يكُنْ مُغتابًا إذا لمْ يُصرِّحْ ولمْ يُعرِّضْ باسمه تعريضًا يُفهِمُ عينَهُ.

وكذلِك قولُه في هذا الحديثِ: «اجتَمَعَ إحْدَى عشْرَةَ امرَأَةً»، فذكرَ نساءً مجهولاتِ الأعيانِ والأسماءِ، مجهولاتِ الأزواجِ، بائداتِ الزَّمانِ، فمَا حكى عن بعضِهِنَّ منْ قبِيحِ ذكرِ أزواجِهِنَّ ليس بغِيبةٍ.

نعم، وإن كانَ قدْ سمَّى في بعضِ الطُّرقِ / - كما / ذكرْنَا (٤) - بعضّهُنَّ، فإنَّ أزواجَهُنَّ غيرُ مُسَمّين، ومع أنَّ تلك التَّسميةِ- لِقدمِ الزَّمانِ- لم تزدْ معرفةً.


(١) ليست في (ع)، (ك)، والحارث بن أسد المحاسبي، أبو عبد الله الزاهد البغدادي، أحد الأئمة المشهورين، وكان الحارث تكلم في شيء من الكلام، فهجره أحمد بن حنبل، فاختفى، فلما مات لم يصل عليه إلا أربعة نفر (ت: ٢٤٣ هـ) «تهذيب التهذيب» (٢/ ١٣٥).
(٢) أخرجه ابن أبي الدنيا في «الصمت» (٢٢٧)، وفي «ذم الغيبة» (٩٠)، من طريق الأعمش، عن إبراهيم النخعي، قال: «كَانُوا لَا يَرَوْنَهَا غِيبَةً مَا لَمْ يُسَمَّ صَاحِبُهَا».
(٣) ذُكرت هذه العبارة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في غير مناسبة منها على سبيل المثال: ما أخرجه البخاري (٧٥٠) من حديث أنسٍ - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ في صَلاتِهِمْ»، فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ في ذَلِكَ، حَتَّى قال: «لَيَنْتَهُنَّ عن ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ».
(٤) في (ك): «ذكرناه».

<<  <   >  >>