للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

/ في كلامِ صواحبِها له مثالًا، إلَّا في التَّفسيرِ من قولِ الرَّابعةِ: «زَوْجِي كَلَيلِ تِهامَةَ، لَا حَرَّ ولَا قُرَّ، ولَا مَخَافَةَ وَلَا سَآمَةَ»؛ فإنَّها أجادَتْ التَّفسيرَ، / وحسَّنتْ التَّعبيرَ، بلْ قولُهُ - صلى الله عليه وسلم - لعائشةَ: «كُنْتُ لَكِ كَأَبَي زَرَعٍ لِأُمِّ زَرَعٍ، فِي الأُلْفَةِ والرِّفَاءٍ، لَا فِي الفُرْقَةِ والخِلَاءِ» مِنْ هذا.

ومِمَّا في كلامِ هذه المرأةِ مِنْ بديعِ البلاغةِ، قولٌ سابِعٌ، وهو: التزامُ ما لا يَلزمُ في سجعِها، وبعضُهم يجعلُهُ أحدَ أنواعِ التَّرصيعِ في قولِها: «فيُرتَقَى، ويُنتَقَى»، فالتزمَتْ القافَ والتَّاءَ في كلِّ سجعٍ قبلَ القافِيَةِ، وقافِيَةُ سجعِهِا: الياءُ (١) المقصُورَةُ.

وكذلك قولُها في الرِّوايةِ / الأُخرى: «يُنْتَقَلُ، ويُتَوَقَّلُ»، فقافِيَتُها: اللامُ، والتزمَتْ قبلَها القافَ، وهذا نوعُ زيادةٍ في تحسينِ الكلامِ وتماثُلِهِ، وإغراقٌ في جودَةِ تشابُهِهِ وتناسُبِهِ، ولِهذَا في الأسجاعِ والقوافي طَلَاوَةٌ ودِيبَاجَةٌ، يَشهدُ له الطَّبعُ (٢)، ويَجِدُهُ الذَّوْقُ، وعلَّتُهُ: المُشابَهَةُ والمُناسَبَةُ لاسِيَّما عند المقاطِعِ وفصلِ الكلامِ، وهو موجُودٌ للمُتقدِّمِين نظمًا ونثرًا، وأُولِعَ به المُتأخِّرُون وُلُوعًا كثيرًا، فَمِنْ مُجيدٍ ومُقَصِّرٍ، وبالجُملةِ، فلا يَحْسُنُ منه ومِنْ جميعِ ما مَخَّضْنا القولَ عنه إلَّا ما ساقَهُ الطَّبعُ، / وقذفَ به الخاطِرُ، دونَ تكلُّفٍ ولا مُقاساةٍ، وَوُجِدَ لفظُهُ تابعًا لِمعناهُ، مُنقادًا له، موضُوعًا عليه، غيرَ مُرْغَمٍ فيه، ولا مُنافِرٍ له.

وقد جاء مِنْ مَليحِ الالتزامِ في كتابِ اللهِ تعالى في فواصلِهِ ومقاطِع آياتِهِ ما لا شيءٌ / في الحسنِ والفصاحةِ وقِلَّةِ التَّكلُّفِ مثلهُ، / كقوله تعالى: {وَالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ} [الطور: ١ - ٢].


(١) في المطبوع: «الألف».
(٢) في (ع): «يشهد الطبع له»، وفي (ل): «يشهد الطبع لها»، وفي (ك): «يشهد الطبع»، وفي (ب): «يشهد لها الطبع».

<<  <   >  >>