للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فقولُهُ: {لَا فِيهَا غَوْلٌ} من صفةِ المشروبِ، وقولُهُ: {وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ} مِنْ صفةِ الشَّاربين، وهذا مِنَ التَّرتيبِ البديعِ، والتَّناسُبِ العجيبِ؛ فإنَّه جعلَ الوصفَ الأوَّلَ للموصوفِ الأوَّلِ، والثَّانِي للثَّانِي، وهو مِن أبدعِ أنواعِ التَّأليفِ، وأحسنِ أساليب التَّرصيفِ (١)، ومثلُهُ قولِ امرئ القيسِ: /

كَأنَّ قلُوبَ الطَّيرِ رَطْبًا ويابِسًا ... لَدَى وَكْرِهَا العُنَّابُ، والحَشَفُ البَالِي (٢)

/ فأتَى «بالعُنَّابِ» أوَّلًا «للقلوبِ الرَّطبةِ» المذكورةِ أوَّلًا، و «الحَشَفُ» ثانِيًا «لليابِسَةِ» المذكورةِ ثَانِيًا، وقول بعضِهم:

سَلْ عنه، وانْطِقْ بِهِ، وانْظُرْ إليهِ، تَجِدْ ... مِلءَ المَسامِعِ، والأَفْواهِ، والمُقَلِ (٣)

فإنَّه قابَلَ بقولِهِ: «مِلء المَسامِعِ» أوَّلًا في الشَّطرِ الثَّانِي قولَهُ: / «سل عنه» أوَّلًا في الشَّطرِ الأوَّلِ.


(١) الترصيف: هو وصل كل حرف متصل إلى حرف.
التأليف: هو جمع كل حرف غير متصل إلى غيره على أفضل ما ينبغي ويحسن. «صبح الأعشى» (٣/ ١٤٤).
(٢) البيت من الطويل، وينظر: «ديوان امرئ القيس» (ص: ١٣٩)، والعناب: ثمر أحمر معروف، والحشف البالي: يابس التمر. والبيت قبله:
كأني بفتخاءِ الجناحيْنِ لقوةٍ ** صيودٍ من العقبان طأطأت شيمالي
فالضمير في «وكرها» عائد على العقاب، واستشهد به أهل البيان على التشبيه الملفوف، وهو أن يؤتى بمشبهين ثم المشبه بهما، فإن العناب راجع إلى رطب، والحشف راجع الى يابس. قال المبرد: هذا البيت أحسن ما جاء في تشبيه شيئين مختلفين في حالين مختلفين بشيئين مختلفين. ينظر: «الكامل» للمبرد (٣/ ٢٥)، و «شرح شواهد المغني» (١/ ٣٤٤).
(٣) البيت من البسيط وهو لابن شرف القيرواني ينظر: «تحرير التحبير» (ص ٤٢٧)، و «نهاية الأرب في فنون الأدب» (٧/ ١٣٠).

<<  <   >  >>