للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أو لِمَا فيه مِنَ التَّخريجِ والتَّوليدِ لغريبِ الشَّبهِ ومَخِيلةِ المِثالِ، وهو وجهُ بلاغتِهِ، كقولِ المَعَرِّي في كَفِّ الثَّريَّا (١):

كَأنَّ يَمِينَها سَرَقَتْكَ شَيْئًا ... وَمَقْطُوعٌ عَلَى السَّرْقِ البَنَانُ

وقد يقعُ تشبِيهُ الشَّيءِ بالشَّيءِ تشبيهًا مُجرَّدًا؛ لِضَرْبٍ منَ الشَّبهِ، ليس في شيءٍ منَ الأبوابِ المُتقدِّمةِ، كقولِ امرِئِ القيسِ (٢):

كَأنَّ قلُوبَ الطَّيرِ رَطْبًا ويابِسًا ... لَدَى وَكْرِهَا العُنَّابُ، والحَشَفُ البَالِي

لكِنَّه يلحَقُ بنوعِ التَّولِيدِ (٣) والتَّخريجِ، الَّذي بلاغتُهُ الفِطنَةُ لِإدْرَاكِ التَّشبيهِ لا غَيْرَ. وصِدقِه فيه، وإنْ كانَ لبعضِهِم في هذا البيتِ مَقالٌ لا أرتضِيه، ولابُدَّ أنَ يكونَ التَّشبيهُ صادِقًا / من الوجهِ الَّذي وقع به التَّشبيهُ، وإلَّا اختلَّ به الكلامُ، وهذِه / المرأةُ قد شبَّهتْ بُخلَ زوجِها، وأنَّه لا يُنالُ ما عندَه، مع شراسةِ خُلُقِهِ، وكِبْرِ نفسِهِ، بِلَحمِ الجملِ الغَثِّ، على رأسِ الجبلِ الوَعْثِ؛ فشبَّهْت وُعُورَةَ خُلُقهِ بوُعُورةِ الجبلِ، وبعدَ خيرِهِ بِبُعدِ اللحمِ على رأسِهِ، والزُّهدَ فيما يُرجى منه لِقلَّتِهِ وتعذُّرِهِ بالزُّهدِ في لحمِ الجملِ الغَثِّ، فأعطَتْ التَّشبيهَ حقَّه، ووَفَّتْهُ قِسْطَهُ، وهذا مِنْ تشبيهِ الجَلِيِّ بالخَفِيِّ (٤)، والمُتَوَهَّمِ بالمحسوسِ، والحقيرِ بالخطيرِ.


(١) البيت من الوافر ينظر: «الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة» (٤/ ٧٩٦).
(٢) سبق تخريج البيت، وشرحه (ص: ١٣٥).
(٣) التوليد هو أن يلفق كلاماً مع كلام آخر فيولد من الكلامين كلام ثالث كما روي عن مصعب بن الزبير أنه كتب على خيله: «عدة»، فلما أخذها الحجاج كتب عليها: «للفرار». ومن ذلك قوله لسعيد: ما اسمك؟ قال: «سعيد»، فقال: «على الأعداء». ينظر: «البديع في نقد الشعر» لابن منقذ (ص: ٢٨٤)، و «تحرير التحبير» (ص: ٤٩٤).
(٤) كذا في جميع النسخ، وفي المطبوع: «الخفي بالجلي».

<<  <   >  >>