للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والاستعارةُ- باتِّفاقٍ مِنْ أهلِ البلاغةِ- أرفعُ درجاتِ البَدِيعِ، / وأعلى محاسِنِ الشِّعرِ، وآنَقُ مَنظرِ الكلامِ، وأعجبُ تصرفاتِ البليِغ، ولها موقِعٌ في الإبانةِ لا يقعُهُ سواها، ومَنْزِعٌ في الإيجازِ والاختصارِ (لا يُوجدُ في) (١) غيرِ بابِها؛ فانظرْ ما بين قولِكَ: كَثُرَ شيبُ رأسي، وقولِهِ تعالى: {وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} [مريم: ٤]، وبين قولِكَ: تَذَلَّلْ لَهُما، وقولِهِ: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء: ٢٤]، / وبين قولِكَ: انتشرَ ضوءُ الفجرِ حتَّى غابَتِ النُّجومُ، وقولِ ذِي الرُّمَّةِ (٢):

........................ ... وَلَفَّ (٣) الثُّريَّا في مُلاءَتِه الفَجْرُ

وبين قولِكَ: فرسٌ سابِقُ الأوابِدِ حتَّى كأنَّها مقيَّدةٌ لم تسابقْه، ولا جرَتْ معه حِين جرى، مِنْ قولِ امْرِئ القَيْسِ (٤):

........................ ... قَيْدِ الأوابِدِ ..........

وكذلك انظرْ قولَ التَّاسِعةِ: «رَفِيعُ العِمَادِ» على مَنْ جعلَهُ الحَسَبَ، أين هو في بابِ البلاغةِ من قولِها لو قالَتْ: زوجِي شَريفٌ، أو حَسِيبٌ.

وانظرْ إيجازَ قولِها: «أَيْقَنَّ أنَّهُنَّ هَوَالِكَ» / وما تحتَهُ منَ المُبالغَةِ

/ في كثرةِ نحرِهِ، واستمرارِ عادَتِه، وجلاءِ ما قصدَتْه منْ ذلك باستعارتِها لهُنَّ


(١) في (ت): «لا يؤخذ من».
(٢) عجز لبيتٍ من الطويل، وتمامه:
قامت بها حتى ذوى العود والتوى ** وساق الثريا في ملاءته الفجر
ينظر: «ديوان ذي الرمة شرح الباهلي» (١/ ٥٦١).
(٣) كذا جميع النسخ وفي «الديوان»: «وساق»، والمثبت من النسخ رواية للبيت كما في «سر الفصاحة» (ص: ١٢٢).
(٤) سبق تخرج البيت.

<<  <   >  >>