للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ومعنَى قولِهَا: «إن أذْكُرْهُ، أَذْكُرْ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ»، فعلى مذهبِ ابنِ الأعرابيِّ وثعلبٍ والأصمعيِّ (١): أي: إنِّي إنْ ذكرتُهُ، ذكرتُ هُمومِي وأحزانِي بِهِ.

وعلى مذهبِ الأصمعيِّ الآخرِ والهرويِّ والنَّيسابوريِّ (٢): إنْ ذكرتُهُ، ذكرتُ معايِبَه وقبائِحَه.

وعلى مذهبِ ابنِ السِّكِّيتِ: ذكرتُ أسرارَه. وبعضُها قريبٌ مِنْ بعضٍ، قال الخطَّابِيُّ (٣): أرَادَتْ عُيوبَهُ الباطِنَةَ، وأسرارَهُ الكَامِنَةَ.

قالَ الفَقِيهُ / القَاضِي - رضي الله عنه -:

وأرَى- واللهُ أعلمُ- أنَّه كان مستورَ / الظَّاهِرِ، ردِيءَ الباطنِ، فلم تُرِدْ هتكَ سترِهِ، وإنَّها إنْ تكلَّمتْ بِما / قد عاقدَتْ عليه صواحِبَها كشفَتْ مِنْ قبائِحِهِ ما استَتَرَ، وأبدَتْ من سوءِ حالِها وعِظَمِ همِّهَا به ما- قَبْلُ- لمْ يظهرْ، ولكنَّها وإنْ لوَّحتْ وما صرَّحَتْ، وأجْمَلَتْ وما شرحَتْ، فقد بثَّتْ، وإنْ قالَتْ: لَا أبُثُّ؛ إذ لابُدَّ للمصدُورِ أنْ يَنفُثَ، وهذا كما قال (٤): /

ولَولَا أَنْ يُقالَ صَبَا نَصِيبٌ ... لَقُلتُ بِنَفْسِي النَّشَأُ الصِّغارُ

ففي ضمنِ الصَّريحِ: أنَّه لم يَقُلْ، وفي نصِّ الصَّريحِ: أنه قد قال.


(١) ينظر: «تهذيب اللغة» (١١/ ٤٤).
(٢) «الغريبين» (٥/ ١٢٧٧)، «التوضيح» (٢٤/ ٥٧٢)، و «شرح ابن بطال» (٧/ ٢٩٩)، و «فتح الباري» (٩/ ٢٦٠)، و «عمدة القاري» (٢٠/ ١٧٠).
(٣) «أعلام الحديث» (٣/ ١٩٨٩).
(٤) البيت من الوافر وهو لنصيب بن رباح، ينظر: «الجليس الصالح» (ص: ٣٣٤)، و «ديوان المعاني» (١/ ٢٦٢)، و «مصارع العشاق» (٢/ ٨١)، و «أخبار النساء» لابن الجوزي (ص: ٢٣٦).

<<  <   >  >>